للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك يخير المشترى بين إمساك الدابة المصرّاة وبين ردها على البائع مع صاع من غالب قوت محل المشترى عوضا عن اللبن الذي حلبه المشترى منها ولو كثر، وذلك لما روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُقُّدو الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردّها وصاعا من تمر" متفق عليه وللبخارى وأبى داود: "من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففى حَلبتها صاع من تمر" (١). والتصرية هي ترك حلب الناقة أو الشاة أو البقرة حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشترى أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها.

ويثبت له هذا الخيار إن لم يعلم أنها مصراة، أما إن اشترَاها وهو عالم أنها مصراة لم يكن له رد إلا أن وجدها تحلب دون المعتاد. ولو علم بعد شرائها وقبل حلبها وأمسكها ليختبر حلابها حلف أنه لم يرد إمساكها رضا بها وكان له ردها، ولو أشهد أنه أمسكها للاختبار لم يحلف وكذا لو علم بعد حلابها وأمسكها ليحلبها ثانيا لأجل أن يعلم عادتها.

وكذلك الحكم في كل مبيع وقع فيه تغرير فِعْلى من تصرية وغيرها يرد لبائعه أو يمسك لكن ما وقع فيه التصرية من الأنعام فقط يرد مع صاع من غالب قوت محل المشترى (٢). على تفصيل ينظر في مصطلح "بيع" و"خيار".

[إمساك الوديعة]

إذا قال المودع (بكسر الدال) للمودع (بفتحها): اربط الوديعة في كمك فأمسكها في يده أو وضعها في جيبه فلا ضمان عليه إن سقطت أو أخذها غاصب من يده، لأن إمساكها في اليد أحفظ من الكم إلا أن يكون المودع (بكسر الدال) أراد إخفاءها عن عين الغاصب فرآها لما جعلها المودع (بفتح الدال) في يده.

وكذلك لا ضمان على المودَع إن سقطت أو غصبت من جيبه اللهم إلا أن يكون شأن السُرَّاق قصد الجيوب.

وعدم الضمان هنا بناء على ما اختاره اللخمى ورجحه ابن عبد السلام خلافا لما في الزاهى لابن شعبان من أنه يضمن (٣).

[إمساك اللقطة]

إذا أمسك الملتقط اللقطة سنة ولم يعرفها ثم عرفها في الثانية فهلكت ضمنها وكذلك إذا أمسكها ولم يعرفها وهلكت في السنة الأولى ضمنها إذا تبين أن صاحبها من أهل الموضع الذي وجد فيه وإن كان من غيره فغاب بقرب ضياعها ولم يقدم في الوقت الذي ضاعت فيه لم يضمن (٤).

وللملتقط إمساك اللقطة وحبسها لصاحبها بعد تعريفها السنة، أو التصدق بها أو تملكها. هذا إذا كان الملتقط غير الإمام. وأما الإمام


(١) الحديث الأول رواه أحمد والبخارى ومسلم، وروى مثله الجماعة إلا البخارى (انظر ك: نيل الأوطار جـ ٥ ص ٢١٤) الطبعة السابقة.
(٢) الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل بحاشية الدسوقى السابق جـ ٣ ص ١١٤، ١١٥.
وشرح الخرشى أيضا بحاشية العدوى جـ ٥ ص ١٥٢، ١٥٣.
(٣) شرح الخرشى جـ ٦ ص ١٢٩
الشرح الكبير جـ ٣ ص ٤٢٧.
(٤) مواهب الخليل لشرح مختصر خليل للحطاب وبهامشه التاج الإكليل جـ ٦ ص ٧٢، ٧٣ الطبعة الأولى بمطبعة السعادة بمصر ١٣٢٩ هـ.