للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انقطاع التتابع في صوم الكفارات وما يترتب على ذلك]

[مذهب الحنفية]

جاء في (بدائع الصنائع): أن لجواز صيام الكفارة شرائط منها التتابع في غير موضع الضرورة في صوم كفارة الظهار والإفطار والقتل بلا خلاف، وعلى هذا يخرج ما إذا أفطر في خلال الصوم أنه يستقبل الصوم، سواء أفطر لغير عذر أو لعذر مرض أو سفر لفوت شرط التتابع، وكذلك لو أفطر يوم الفطر أو يوم النحر أو أيام التشريق، فإنه يستقبل الصيام سواء أفطر في هذه الأيام أو لم يفطر، لأن الصوم في هذه الأيام لا يصلح لإسقاط ما في ذمته؛ لأن ما في ذمته كامل والصوم في هذه الأيام ناقص لمجاورة المعصية إياه، والناقص لا ينوب عن الكامل، ولو كانت امرأة فصامت عن كفارة الإفطار في رمضان أو عن كفارة القتل فحاضت في خلال ذلك لا يلزمها الاستقبال لأنها لا تجد صوم شهرين لا تحيض فيهما فكانت معذورة، وعليها أن تصل أيام القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو لم تصل وأفطرت يومًا بعد الحيض استقبلت، لأنها تركت التتابع من غير ضرورة، ولو نفست تستقبل لعدم الضرورة، لأنها تجد شهرين لا نفاس فيهما، ولو كانت صوم كفارة اليمين، فحاضت في خلال ذلك تستقبل، لأنها تجد ثلاثة أيام لا حيض فيها فلا ضرورة إلى سقوط اعتبار الشرط، ولو جامع امرأته التي لم يظاهر منها بالنهار ناسيًا، أو بالليل عامدًا أو ناسيًا، أو أكل بالنهار ناسيًا لا يستقبل، لأن الصوم لم يفسد فلم يفت شرط التتابع.

ومن الشروط أيضًا عدم المسيس في الشهرين في صوم كفارة الظهار، سواء فسد الصوم أو لا في قول أبى حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: الشرط عدم فساد الصوم. حتى لو جامع امرأته التي ظاهر منها بالليل عامدًا أو ناسيًا أو بالنهار ناسيًا، استقبل عندهما، وعند أبى يوسف: يمضى على صومه ووجه قول أبى يوسف أن هذا الجماع لا ينقطع به التتابع؛ لأنه لا يفسد الصوم فلا يجب الاستقبال كما لو جامع امرأة أخرى ثم ظاهر منها، والصحيح قولنا، لأن المأمور به صوم شهرين متتابعين لا مسيس فيهما بقوله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} (١) فإذا جامع في خلالهما فلم يأت بالمأمور به، ولو جامعها بالنهار عامدًا استقبل بالاتفاق؛ والعلة عندهما لوجود المسيس، والعلة عنده لانقطاع التتابع بسبب فساد الصوم، وأما وجوب كفارة الحلق فصاحبه بالخيار إن شاء فرق لإطلاق قوله تبارك وتعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (٢) من غير فصل (٣).

[مذهب المالكية]

جاء فى (حاشية الدسوقى على الشرح الكبير): أنه ينقطع تتابع صوم الكفارة بوطء الزوج المكفِّر المرأة المظاهَر منها حال الكفارة ولو في آخر يوم منه، ويبتديه من أوله، وينقطع كذلك بوطء واحدة ممن تجزئ فيهن كفارة واحدة كما لو ظاهر من أربع في كلمة واحدة وإن حصل


(١) سورة المجادلة: من الآية: ٤.
(٢) سورة البقرة: من الآية: ١٩٦.
(٣) بدائع الصنائع: ٥/ ١١١.