للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال:

لا يا رسول الله (١). لا يجب الحد باقرار أحد الزانيين اذا أنكره الآخر .. وهذا على اطلاقه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى .. وعندهما أن ادعى المنكر منهما شبهة بان قال: تزوجتها فهو كما قال.

وان انكر بأن قال: ما زنيت ولم يدع ما يسقط‍ الحد. وجب على المقر الحد دون المنكر .. وجه الوقاية أن دعوى النكاح يحتمل الصدق والنكاح يقوم بالطرفين فأورث شبهة فيسقط‍ الحد. ولها فى الخلافية ما روى عن سهل بن سند أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: أنه قد زنى بامرأة سماها. فأرسل النبى صلّى الله عليه وسلّم الى المرأة فدعاها فسألها عما قال. فأنكرت فحده وتركها .. رواه أحمد وأبو داود. ولأن اقرار المقر حجة فى حقه. وتكذيب غيره لا يوجب تهمة فى اقراره خصوصا فى الحد فصار كما لو قال: أنا وفلان قتلنا فلانا عمدا وأنكر شريكه فانه يقتص من المقر. فكذا هذا .. ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى ان الزنا فعل مشترك بينهما قائم بهما. فانتفاؤه من احدهما يورث شبهة فى الآخر اذ لا يتصور الا منهما بخلاف مسألة القتل لأنه يحتمل أن ينفرد به المقر لأنه يتحقق من واحد. ونظيره أن يقر بالزنا على نفسه وعلى رجل آخر فيقول: زنيت بفلانة أنا وفلان. ولأن المنكر يحتمل أن يكون صادقا فى انكاره فيورث شبهة فى حق الآخر كما اذا أدعى أحدهما النكاح بخلاف ما اذا أقر أنه زنى بغائبة أو شهد عليه بذلك حيث يحد وأن احتمل أن ينكر الغائب الزنا أو يدعى النكاح. لأنه لو حضر وانكر الزنا او ادعى النكاح يكون شبهة. واحتمال ذلك يكون شبهة الشبهة. والشبهة هى المعتبرة دون شبهة الشبهة. ثم اذا سقط‍ الحد يجب المهر تعظيما لأمر البضع شرعا .. ولا يقال: كيف يجب لها المهر وهى تنكره اذا كانت هى المقرة بالزنا - لأنا نقول: وجوب المهر من ضرورات سقوط‍ الحد فلا يعتبر ردها أو نقول: صارت مكذبة شرعا بسقوط‍ الحد فلا يلتفت الى تكذيبها.

[الاقرار بالشرب]

من شرب خمر (٢) فأخذ وريحها موجود أو كان سكران ولو بنبيذ. وشهد رجلان أو أقر مرة حد أن علم شربه طوعا وصحا لحديث أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال: وفعله أبو بكر. فلما كان عمر استشار الناس. فقال عبد الرحمن بن عوف. أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر .. رواه أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذى وصححه. واحترز بقوله: أو أقر مرة من قول أبى يوسف فانه يشترط‍ الاقرار مرتين اعتبارا بالشهادة كما فى الزنا .. قلنا ثبت ذلك على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره

فان أقر أو شهدا بعد مضى ريحها فلا يحد لبعد المسافة. أو وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها أو رجع عما أقر أو أقر سكران بأن زال عقله فلا يجب عليه الحد فى هذه الصور كلها اما ثبوته (٣) بعد زوال رائحتها باقرار أو بينة فللتقادم وهو مقدر به.


(١) جاء فى صفحة ١٨٥ من المرجع السابق.
(٢) جاء فى تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج‍ ٣ ص ١٩٥.
(٣) جاء فى البحر الرائق ج‍ ٥ ص ٢٩.