للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعذار الكفار

عند مجاهدتهم

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع الصنائع أن الأمر فيما يجب على الغزاء الافتتاح به حالة الوقعة ولقاء العدو لا يخلو من أحد وجهين:

اما أن تكون الدعوة قد بلغتهم.

واما أن تكون الدعوة لم تبلغهم.

فان كانت الدعوة لم تبلغهم فعلى الغزاة أن يفتحوا بالدعوة الى الاسلام باللسان لقول الله تبارك وتعالى:

«اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (١).

ولا يجوز لهم القتال قبل الدعوة لأن الايمان وان وجب عليهم قبل بلوغ الدعوة بمجرد الفعل فاستحقوا القتل بالامتناع لكن الله تبارك وتعالى حرم قتالهم قبل بعث الرسول صلّى الله عليه وسلّم وبلوغ الدعوة اياهم فضلا منه ومنة قطعا لمعذرتهم بالكلية وان كان لا عذر لهم فى الحقيقة لما أقام الله سبحانه تعالى من الدلائل العقلية التى لو تأملوها حق التأمل ونظروا فيها لعرفوا حق الله تبارك وتعالى عليهم لكن تفضل عليهم بارسال الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجلعين لئلا يبقى لهم شبهة عذر فيقولون ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك وان لم يكن لهم أن يقولوا ذلك فى الحقيقة لما بينا، ولأن القتال ما فرض لعينة بل للدعوة الى الاسلام.

والدعوة دعوتان.

دعوة بالبنان وهى القتال.

ودعوة بالبيان وهو اللسان وذلك بالتبليغ.

والثانية أهون من الأولى لأن فى القتال مخاطرة الروح والنفس والمال وليس فى دعوة التبليغ شئ من ذلك.

فاذا احتمل حصول المقصود بأهون الدعوتين لزم الافتتاح بها.

هذا اذا كانت الدعوة لم تبلغهم.

فان كانت قد بلغتهم جاز لهم أن يفتتحوا القتال من غير تجديد الدعوة لما بينا من أن الحجة لازمة والعذر فى الحقيقة منقطع وشبهة العذر انقطعت بالتبليغ مرة، لكن مع هذا الافضل أن لا يفتتحوا القتال الا بعد تجديد الدعوة لرجاء الاجابة فى الجملة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم الى الاسلام فيما كان دعاهم غير مرة فدل هذا ان الافتتاح بتجديد الدعوة أفضل، ثم اذا دعوهم الى الاسلام فان أسلموا كفوا عن القتال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن


(١) الآية رقم ١٢٥ من سورة النحل.