للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصلحة تجعل القتل مباحا كما إذا تترس الكفار بجماعة من المسلمين، بحيث لو كففنا عنهم لتغلب الكفار علينا واستولوا على دار الإسلام، ولو رمينا الترس وقتلنا المسلمين الذين معهم لاندفعت القوة عن كافة المسلمين قطعا، فهذا القتل وإن كان الدافع له المصلحة إلا أن هذه المصلحة لم يدل دليل من الشرع على اعتبارها ولا على إلغائها، وهى التى كانت سببا فى إباحة القتل المحظور.

وأكثر الفقهاء والأصوليين على أن الطلب بعد الحظر يفيد الإباحة، وإن كان المعتزلة يرون أنه يفيد الوجوب.

وتوقف أمام الحرمين فى حكمه، فقد طلب الرسول ادخار لحوم الأضاحى بعد نهيه عن ذلك، وذلك فيما روى عنه من أنه قال: «كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى، فكلوا وادخروا».

كما طلب زيارة القبور بعد نهيه عن ذلك فيما روى عنه من قوله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها» … فكل من الادخار من لحوم الأضاحى وزيارة القبور كان محظورا، فطلب الشارع فعله فذهب أكثر الفقهاء إلى أن هذا يفيد إباحة ما كان محظورا لا وجوبه أو ندبه (١).

ومن ذلك قوله تعالى: «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا} (٢)». وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (٣).

طروء الإباحة على الواجب:

قد ينسخ الواجب فيصبح النسخ سببا فى إباحته اتفاقا، وهذا إذا ورد فى النص الناسخ ما يفيد الإباحة. أما إذا كان النص الناسخ لم يرد فيه ما يدل على إباحته أو تحريمه فهو أيضا يفيد الإباحة عند بعض العلماء.

وخالف فى ذلك الغزالى لأن الوجوب يتضمن جواز الفعل مع الحرج في الترك ومعنى ذلك أنه لا حرج فى الفعل ولا حرج فى الترك، وهذا هو المباح لاستواء الطرفين من حيث الفعل والترك.

هل الإباحة حكم شرعى؟:

أجمع الأصوليون على أن الإباحة حكم شرعى. يقول صاحب مسلم الثبوت (٤):

الإباحة حكم شرعى، لأنه خطاب الشرع تخييرا والإباحة الأصلية نوع منه.

ويقول الغزالى (٥): «المباح من الشرع» ولم يخالف فى ذلك الا بعض المعتزلة فإنهم قالوا: «إنه ليس من الشرع، إذ معنى المباح رفع الحرج عن الفعل والترك، وذلك ثابت قبل السمع، فمعنى إباحة الشارع شيئا أنه تركه على ما كان عليه قبل ورود السمع ولم يغير حكمه»، «وكل ما لم يثبت تحريمه ولا وجوبه بقى على النفى الأصلى فعبر عنه بالمباح» وقد ناقش الغزالى المعتزلة بما خلاصته: أن بعض الأفعال نص الشارع على التخيير فيه صراحة، وبعضها ذكر ما يدل على التخيير فيه بغير لفظ‍ صريح وأيده العقل.


(١) الأحكام للآمدى ج‍ ٢ ص ٢٧.
(٢) سورة المائدة: ٢.
(٣) سورة الجمعة: ٩، ١٠.
(٤) بهامش المستصفى ج‍ ١ ص ١١٢.
(٥) المستصفى ج‍ ١ ص ٧٥.