للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المال من غير سرف ولا تقتير .. ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير ..

تاسعا: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليه من الأعمال ويكله إليهم من الأموال لتكون الأعمال بالكفاءات مضبوطة .. والأموال بالأمناء محفوظة ..

عاشرًا: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة فقد يخون الأمين ويغش الناصح .. وقد قال الله تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فلم يقتصر الله سبحانه وتعالى على التفويض دون المباشرة .. ولا عذر في الاتباع حتى وصفه بالضلال وهذا إن كان مستحقا عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكل مسترعى. قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

[حقوق الخليفة على الأمة]

نقلنا عن القاضي أبى الحسن الماوردى في الكلام على وجوب معرفة الخليفة قوله: إذا استقرت الخلافة لمن تقلدها بعهد أو اختيار لزم كافة الأمة أن يعرفوا إفضاء الخلافة إلى مستحقها بصفاته .. ولا يلزم أن يعرفوه بعينه واسمه إلا أهل الاختيار ..

وقال سليمان بن جرير من الزيدية: واجب على الناس كلهم معرفة الإمام بعينه واسمه كما عليهم معرفة الله ومعرفة رسوله ..

والذي عليه حمهور الناس أن معرفة الإِمام تلزم الكافة على الجملة دون التفصيل ..

ثم قال الماوردى: وإذا لزمت معرفته على التفصيل الذي ذكرناه .. فعلى كافة الأمة تفويض الأمور العامة إليه من غير افتيات عليه ولا معارضة له ليقوم بما وكل إليه من وجوه المصالح وتدبير الأعمال (١) ..

ثم قال (٢) عقب الكلام على أعباء الخليفة: وإذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة عليه (أعباء الخليفة) فقد ادعى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم .. ووجب عليهم حقان: الطاعة والنصرة .. ما لم يتغير حاله ..

هاتان هما العبارتان اللتان تحدث فيهما الماوردى عن حقوق الإمام على الأمة والعبارة الأولى تجعل من حقه:

أولا: التفويض إليه والتسليم له بالنظر في شئون المسلمين العامة في الداخل والخارج في أمور الدين والدنيا ليمكنه تدبير المصالح والقيام بالأعمال الكفيلة بحفظ الدين وسياسة الأمة وفقا لأحكامه ..

ثانيا: عدم الافتيات عليه .. وذلك بعدم التدخل في أعماله واختصاصاته وعدم مجاوزة الحد في النقد بقصد إثارة الفننة والشغب وبعث الشك والريبة في سياسته العامة ..

ثالثا: عدم المعارضة بقصد تعطيل الأعمال وإقامة العراقيل في سبيل الإصلاح والبناء …

أما العبارة الثانية فهى قاطعة في تحديد حقين:

رابعا: الطاعة .. وهو حق أوجبه كتاب الله الكريم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وأوجبته سنة


(١) الأحكام السلطانية للماوردى فصل (أعباء الخليفة) ص ١٥، ١٧.
(٢) الجامع لأحكام القرآن جـ ٥ ص ٢٥٩ وما بعدها طبع دار الكتب المصرية.