للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأداء الدين وخاف الدائن هربه فانه يجوز له أن يحتاط‍ على المديون بملازمته أو كفيل أو ترسيم عليه أى تحديد الأماكن التى يحق له ارتيادها وكذلك اذا امتنع الموسر من قضاء الدين فلدائنه ملازمته ومطالبته والاغلاظ‍ له بالقول، لما سبق ذكره من حديث «لى الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» كما يحبس المديون الموسر اذا امتنع من قضاء الدين وتجرى عليه الأحكام السابقة الا أنه ان أصر على الحبس والضرب والتعزيز ولم يقض الدين مع كل هذا باع القاضى ماله وقضى دينه. وان أراد المديون سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه فلدائنه منعه من ذلك حتى يقيم كفيلا ببدنه قاله الشيخ تقى الدين لأنه قد تحصل له ميسرة فى البلد الذى سافر اليه فلا يتمكن الدائن من مطالبته لغيبته عن بلده فيطلبه من الكفيل وان منع الدائن المديون من السفر فسافر كان عاصيا لأن له ولايه حبسه لاستيفاء حقه الحال منه.

وان لم يمنعه فهل له الاقدام على السفر؟ ذكر أبو الوفاء بن عقيل فيه وجهين: أحدهما يجوز لأن الحبس عقوبة لا يتوجه بدون الطلب. والثانى: لا لأنه يمنع بسفره حقا واجبا لثبوت الحبس فى حقه ولما يلزم فى سفره من تأخير الحق الواجب عليه وكذلك للدائن منع المديون بدين مؤجل من السفر اذا كان الدين يحل على المديون قبل رجوعه من سفره. وكذلك اذا لم يحل عليه قبل رجوعه ولم يكن بالدين رهن يفى به ولا كفيل ملئ لما فيه من الضرر على الدائن بتأخير حقه، وقدوم المديون عند حلول الدين غير متيقن ولا ظاهر فملك الدائن منعه، وسواء كان السفر مخوفا أم لا، الا اذا كان لجهاد متعين ونحوه فلا يمنع المديون من السفر له لتعيينه عليه (١).

[مذهب الظاهرية]

قال ابن حزم: ان لم يوجد للمفلس مال يمكن قضاء دينه أو بعضه منه فانه يلزم حبسه حتى يثبت فقره وافلاسه بطريق من الطرق السابقة فى اثبات الافلاس. ولا يمنع المفلس من الخروج من حبسه فى طلب شهود له بذلك ولا يمنع خصمه أو وكيله من ملازمته حينئذ والمشى معه حيث مشى فان أثبت فقره وافلاسه أطلقه القاضى من حبسه بعد أن يحلفه اليمين أنه ليس له مال باطن. وحينئذ يمنع خصمه من ملازمته وينظر حتى يظهر له مال فيقضى دينه منه.

أما ان كان للمديون ما يمكن قضاء الدين أو بعضه منه فلا يحل أن يحبس أصلا، لأن حبسه مع القدرة على انصاف دائنيه ظلم له ولهم معا، ولحديث «خذوا ما وجدتم وليس لكم الا ذلك» (٢) السابق.

[مذهب الزيدية]

يحبس مدعى الافلاس الذى لا يظهر عليه الاعسار أو التبس حاله ان لم يجد بينة تثبت افلاسه على التفصيل السابق فى اثبات الافلاس. وكذلك يحبس وإن وجد بينة تثبت افلاسه ابتداء فلا تسمع منه الا بعد حبسه حتى يغلب على ظن القاضى افلاسه تأكيدا لصحة الشهادة عند أبى طالب والهادى. وقال الناصر والامام يحيى والمؤيد بالله لا حبس للمفلس مع وجود البينة بافلاسه كسائر الشهادات. وانما يحبسه القاضى اذا طلب الدائن من القاضى ذلك أو طالبه بفعل ما يجب شرعا.

ومدة حبسه تختلف باختلاف الاشخاص فتخضع لرأى القاضى فى طولها وقصرها حتى يغلب فى ظنه الافلاس لأن أحوال الناس تختلف فبعضهم يتضرر بالحبس اليسير، وبعضهم يؤثر المال على نفسه. واذا كان للمفلس صفقة يتمكن من فعلها وهو فى الحبس فذلك راجع الى نظر القاضى فى منعه أو تركه وقيل: اذا حبس لم يمنع صنعة أمكنته فى الحبس. وقيل: يمنع لئلا يهون عليه السجن. قال صاحب البحر الزخار: والأقرب أن هذا موضع اجتهاد. وان مرض أوجن أخرج لمن يعالجه لئلا يضربه المرض. واذا غلب على ظن القاضى افلاسه من


(١) كشاف القناع وشرح المنتهى بهامشه ج ٢ ص ١٣٧ - ١٣٩، ٢٠٦ - ٢٠٨ الطبعة السابقة، المغنى والشرح الكبير ج ٤ ص ٤٥٨، ٤٦٢، ٤٨٨، ٥٠١، ٥٠٢، ٥٠٥، ٥٠٦ الطبعة السابقة، القواعد ج ١ ص ٨٧ قاعدة رقم ٥٣ الطبعة السابقة.
(٢) المحلى ج ٨ ص ٦٣٠ - ٦٣١ مسألة رقم ١٢٧٧ الطبعة السابقة. المرجع السابق ج ٨ ص ٦٢٤ - ٦٢٧ مسألة رقم ١٢٧٦ الطبعة السابقة.