للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا إجماع فلا يجوز أن يؤدى شئ منه في غير وقته. وكذلك كل عمل مرتبط بوقت محدود الطرفين كأوقات الصلوات وما جرى هذا المجرى فلا يجوز أداء شئ من ذلك بل دخول وقته، ولا بعد خروج وقته. ومن شبه ذلك ديون الآدميين لزمه أن يجيز صيام رمضان في شعبان قياسا على تعجيل ديون الناس قبل حلول أوقاتها، ولزمه أن يجيز تقديم الصلوات قبل وقتها قياسا على ذلك، وعلى ما أجازوا من تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها.

ولا فرق بين من أجاز أداء الأمر بعد انقضاء وقته وبين من أجازه قبل دخول وقته هذا على أن بعضهم قد أجاز للمريض الذي يخاف تغير عقله تعجيل الصلاة قبل وقتها. فإن ادعوا أن الإجماع منعهم من ذلك عارضهم قول ابن عباس فإنه يجيز أداء الصلاة قبل دخول وقتها. وصلاة الظهر قبل زوال الشمس. ولا فرق في ديون الناس بين أدائها بعد وقتها وحلول أجلها وبين آدائها قبل وقتها وحلول أجلها.

وأطال ابن حزم في المقارنة بين الواجبات الشرعية وبين ديون الناس ثم قال (١):

فإذا كان حكم الأموال والعبادات ما ذكرنا فلا خلاف في أن الوقت إنما معناه زمان العمل. وأنه لا يفهم من قول الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم -: اعملوا عمل، كذا في وقت كذا. وصلوا صلاة كذا من حين كذا إلى حين كذا. إلا أن هذا الزمان المحدود هو الذي أمرنا فيه بالعمل المذكور فنقول حينئذ للمخالف: ما معنى خروج الوقت؟ فلابد ضرورة من أنه انقضاء زمن العمل فإذا ذهب زمان العمل فلا سبيل إلى العمل إذ لا يتشكل في العقول كون شئ في غير زمانه الذي جعله الله تعالى زمانا له ولم يجعل له زمانا غيره.

وقد يقال إنا وجدنا أوامر معلة (٢) بزمان ينوب عنها تأدية ذلك العمل في زمان آخر فنقول إذا جاء بذلك نص أو إجماع فقد علمنا أن الله عز وجل مد ذلك الوقت وعلق ذلك الأمر بذلك الزمان الثاني وجعله وقتا له.

ونحن لا ننكر ذلك بل نقر به إذا أمرنا به لا إذا نهينا عنه وقد جاء مثل ذلك في الأمكنة كمن نذر صلاة في بيت المقدس فإنه إن صلى بمكة أجزاء للنص في ذلك: ولا يجزئ ذلك فيما لم يرد فيه نص.

[خامسا: الزيدية.]

صور الشوكانى ما قاله الأصوليون فيما فيه أداء وقضاء واختار مذهب الجمهور وأيد أدلته وقال إنه الحق ثم أبرز مسألة في الأمر غير المقيد بوقت فقال (٣):

الأمر المطلق وهو أن يقول افعل ولا يقيده بزمن معين فإذا لم يفعل المكلف ذلك في أول أوقات الإمكان فهل يجب فعله فيما بعد أو يحتاج إلى دليل؟. فمن لم يقل بالفور يقول: إن ذلك الأمر المطلق يقتضى الفعل فلا يخرج المكلف عن العهدة إلا بفعله. ومن قال بالفور قال إنه يقتضى الفعل بعد أول أوقات الإمكان وبه قال أبو بكر الرازى. ومن القائلين بالفور من يقول إنه لا يقتضيه بل لابد في ذلك من دليل زائد.


(١) المصدر السابق ص ٥٦.
(٢) المصدر السابق ٥٨.
(٣) إرشاد الفحول ص ١٠٦.