للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البيت ولا ينكر أحد عليهم، ولا يعيبهم أهل البيت أنفسهم، وهذا يفيد أن أهل البيت لا يقولون بوجوب اتباع ما أجمعوا عليه.

ألم تر كيف رد ابن مسعود قول أمير المؤمنين على فى عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، وكيف رد شريح قوله بقبول شهادة الابن، مع أن كلا من الزيدية والإمامية يقولون بحجية قوله، ويستدلون لذلك بأدلة عندهم، فقول الإمام إذن يدل على إجماع أهل البيت عند الإمامية والزيدية، فكيف ساغ للصحابة والتابعين أن خالفوه.

بمثل هذا يستدل الجمهور على بطلان القول بأن إجماع عترة الرسول صلى الله عليه وسلم يكفى حين ينفردون به عن غيرهم من مجتهدى الأمة، والنقاش طويل والمراجع هى المراجع التى ذكرناها للفريقين.

سادسا: إجماع أهل المدينة

إجماع أهل المدينة على انفرادهم ليس بحجة عند الجمهور لأنهم بعض الأمة، والأدلة الدالة على كون الإجماع حجة متناولة لأهل المدينة وغيرهم.

وقال مالك رحمه الله تعالى: أنه حجة فلا يعتد بمخالفة غيرهم، ومن أصحابه من قال: إنما أراد بذلك ترجيح روايتهم علي رواية غيرهم.

ومنهم من قال: أراد به أن اجماههم أولى ولا تمتنع مخالفته (١).

وقال الباجى: إنما أراد حجية إجماع أهل المدينة فيما كان طريقه النقل المستفيض، كالصاع والمد والأذان والإقامة وعدم وجوب الزكاة فى الخضروات مما تقضى العادة بأن تكون فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، فإنه لو تغير عما كان عليه لعلم، فأما مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء.

وقال القاضى عبد الوهاب: إجماع أهل المدينة على ضربين: نقلى، واستدلالى.

فالأول كنقلهم الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقات والأجناس وكتركهم أخذ الزكاة من الخضروات مع أنها كانت تزرع بالمدينة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لا يأخذون منها، وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه وترك الأخبار والمقاييس به، لا اختلاف بين أصحابنا فيه.

والثانى، وهو إجماعهم من طريق الاستدلال، فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه ليس بإجماع ولا مرجح.

والثانى: أنه مرجح.

والثالث: أنه حجة ولكن لا يحرم خلافه وإذا عارض هذا النوع الاستدلالى خبر


(١) انظر ص ٣٤٩ ج‍ ١ من الاحكام.