للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الحنابلة]

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن المضاربة من العقود الجائزة تنفسخ بفسخ أحدهما أيهما كان وبموته وجنونه والحجر عليه لسفه لأنَّهُ متصرف في مال غيره بأذنه فهو كالوكيل ولا فرق بمن ما قبل التصرف وبعده فإذا انفسخت والمال ناض لا ربع فيه أخذه ربه، وإن كان فيه ربح قسما الربع على ما شرطاه، وإن انفسخت والمال عرض فاتفقا على بيعه أو قسمه جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما، وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال وقد ظهر في المال ربح أجبر رب المال على البيع - وهو قول إسحاق والثورى - رحمهما الله تعالى - لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع، وإن لم يظهر ربح لم يجبر لأنَّهُ لاحق له فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلم يجبر على بيعه - وهذا ظاهر مذهب الشافعي رضى الله تعالى عنه - وقال بعضهم فيه وجه آخر أنه يجبر على البيع لأنَّهُ ربما زاد فيه زائد أو رغب فيه راغب فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل في البيع حظ، ويدل لنا أن المضارب إنما استحق الربع إلى حين الفسخ وذلك لا يعلم إلا بالتقويم ألا ترى أن المستعير إذا غرس أو بنى أو المشترى كان للمعير والشفيع أن يدفعا قيمة ذلك لأنَّهُ مستحق للأرض فههنا أولى، وما ذكروه من احتمال الزيادة بزيادة مزايد أو راغب على قيمته فإنما حدث ذلك بعد فسخ العقد فلا يستحقها العامل. وإن طلب رب المال البيع وأبى العامل ففيه وجهان:

أحدهما: يجبر العامل على البيع - وهو قول الشافعي رضى الله تعالى عنه - لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه.

والوجه الثاني: لا يجبر إذا لم يكن في المال ربع أو أسقط حقه من الربع لأنَّه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال فأشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق رده فزالت وكالته قبل رده. ولو كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو كان دراهم فصار دنانير فهو كما لو كان عرضا، وإذا نض رأس المال جميعه لم يلزم العامل أن ينض له الباقى لأنَّهُ شركة بينهما ولا يلزم الشريك أن ينض مال شريكه ولأنه إنما لزمه أن ينض رأس المال ليرد إليه رأس ماله على صفته ولا يوجد هذا المعنى في الربح (١). وإن طلب أحد المتضاربين قسمة الربع من رأس المال وأبى الآخَر قدم قول الممتنع لأنَّهُ إن كان رب المال فلأنه لا يأمن الخسران في رأس المال فيجبره بالربح، وإن كان الممتنع العامل فإنه لا يأمن أن يلزمه رد ما أخذ في وقت لا يقدر عليه، وإن تراضيا على ذلك جاز لأن الحق لهما وسواء اتفقا على قسمه جميعه أو بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما شيئًا معلوما ينفقه، ثم متى ظهر في المال خسران أو تلف كله لزم العامل رد أقل الأمرين مما أخذه أو نصف خسران المال إذا اقتسما الربع نصفين وذلك لأن المال لهما فجاز لهما أن يقتسما بعضه كالشريكين: أو نقول أنهما شريكان فجاز لهما قسمة الربع قبل المفاصلة كشريكى العنان (٢).


(١) المغني للإمام موفق الدين أبى محمد عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الإمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى جـ ٥ ص ١٧٩، ص ١٨٠ في كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للإمام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى بتصحيح السيد محمد رشيد رضا الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار في مصر سنة ١٣٤٧ هـ.
(٢) المرجع السابق جـ ٥ ص ١٧٨، ص ١٧٩ نفس الطبعة.