للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[اختلاف]

[التعريف بالاختلاف]

الاختلاف فى اللغة عدم الاتفاق والتساوى يقال تخالف الأمران واختلفا لم يتفقا، وكل ما لم يتساو فقد تخالف واختلف (١) وموضوع الاختلاف عند الأصوليين هو ما تعددت فيه آراء المجتهدين وأهل الرأى فى المسائل التى لم يرد فيها دليل قطعى من الأمة اذ محل الاجتهاد المعتبر هى ما يتردد فيه بين طرفين ويظهر فى كل واحد منهما قصد الشارع فى الاثبات فى أحدهما والنفى فى الآخر فلم تنصرف البتة الى طرف النفى أو الى طرف الاثبات فلا يخلو فعل المكلف أو تركه من أن يأتى فيه خطاب من الشارع أولا فان لم يأت فيه خطاب كان على البراءة الأصلية على القول الراجح وان أتى فيها خطاب فاما أن يظهر فيه للشارع قصد فى النفى أو فى الاثبات أولا، فان لم يظهر له قصد البتة فهو قسم المتشابهات وان ظهر فتارة يكون قطعيا وتارة يكون غير قطعى، فأما القطعى فلا مجال للنظر فيه، بعد وضوح الحق فى النفى أو فى الاثبات، وليس محلا للاجتهاد، وهو قسم الواضحات لأنه واضح الحكم حقيقة والخارج عنه مخطئ قطعا، وأما غير القطعى فلا يكون كذلك الا مع دخول احتمال فيه أن يقصد الشارع معارضه أولا، فليس من الواضحات باطلاق بل بالاضافة الى ما هو أخفى منه كما أنه يعد غير واضح بالنسبة الى ما هو أوضح منه.

وكل المسائل التى وقع فيها الاختلاف انما وقع فيها لانها دائرة بين طرفين واضحين فحصل الاشكال والتردد وباحكام النظر فى هذا المعنى يترشح للناظر أن يبلغ درجة الاجتهاد لانه يصير بصيرا بمواضع الاختلاف جديرا بأن يتبين له الحق فى كل نازلة تعرض له ولاجل ذلك جاء فى حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا عبد الله بن مسعود، قلت: لبيك يا رسول الله قال:

أتدرى أى الناس أعلم. قلت: الله ورسوله أعلم. قال: أعلم الناس أبصرهم بالحق اذا اختلف الناس وان كان مقصرا فى العمل» (٢)

[اختلاف الصحابة]

قال الشاطبى: ثبت أن الشريعة لا اختلاف فيها وانما جاءت حاكمة بين المختلفين فيها وفى غيرها من متعلقات الدين فكان ذلك عند الصحابة عاما فى الأصول والفروع حسبما اقتضته الظواهر المتضافرة والأدلة القاطعة، فلما جاءتهم مواضع الاشتباه، وكلوا ما لم يتعلق به عمل الى عالمه على مقتضى قوله تعالى «وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ» ولم يكن لهم بد من النظر فى متعلقات الأعمال، لأن الشريعة قد كملت، فلا يمكن خلو الوقائع عن أحكام الشريعة، فتحروا


(١) لسان العرب لابن منظور مادة خلف وترتيب القاموس المحيط‍ ح‍ ٢ ص ٩٣ مادة خلف الطبعة الاولى سنة ١٩٥٩ م فى مطبعة الرسالة.
(٢) الموافقات فى اصول الشريعة لابى اسحاق الشاطبى ح‍ ٤ ص ١٥٥، ص ١٥٦، ص ١٦٠، ص ١٦١، ص ١٦٢ طبع المطبعة الرحمانية بمصر.