للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتفقيههم من القرآن والحديث والاجماع، ويكتفى بذلك على قدر قلتهم أو كثرتهم بحسب ما يقدر أن يعمهم بالتعليم ولا يشق على المستفتى قصده فاذا انتدب لذلك من يقوم بتعليمهم فقد سقط‍ عن باقيهم الا ما يلزمه خاصة نفسه فقط‍، فان لم يجدوا فى محلتهم من يفقههم فى ذلك كله ففرض عليهم الرحيل الى حيث يجدون العلماء المحتوين على صنوف العلم وان بعدت ديارهم، ولو أنهم بالصين لقوله تعالى (١): {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ،} والنفار والرجوع لا يكون الا برحيل.

ومن وجد فى محلته من يفقهه فى صنوف العلم فالامة مجتمعة على أنه لا يلزمه رحيل فى ذلك ففرض على جميع المسلمين أن يكون فى كل قرية أو مدينة أو حصن من يحفظ‍ القرآن كله ويعلمه الناس ويقرؤه اياهم، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فصح بكل ما ذكرنا أن النفار فرض على الجماعة كلها حتى يقوم بها بعضهم فيسقط‍ عن الباقين.

وأما من قال انه ليس فرضا على الجماعة لكنه فرض على بعضهم بغير أعيانهم،

فنكتفى من ابطال قوله بأنه يجعل خطاب الله تعالى واقعا على لا أحد، لانه اذا لم يعين الله تعالى من يخاطب ولا خاطب الجميع فلم يخاطب أحدا جل الله عن ذلك، وفى هذا سقوط‍ الفرض عن كل من لم يخاطب، فهو ساقط‍ عن كل أحد، اذ كل أحد لم يخاطب. وفى هذا بطلان الدين.

[مذهب الزيدية]

جاء فى شرح الازهار (٢): كل مجتهد وهو العالم بالاحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال متى وفى الاجتهاد حقه فى الفرعيات العمليات الظنيات فهو مصيب، بمعنى أن ما أوصله اليه نظره من ايجاب أمر أو تحريمه أو ندبه أو اباحته فذلك هو مراد الله تعالى منه، ومراد الله تابع لما أداه اليه نظره، لا أن نظره تابع لمراد الله تعالى، وليس القصد بتوفية الاجتهاد حقه أنه يعلم أنه قد أصاب فى نظره، بل يكفى غالب الظن.

وجاء فى الروض النضير (٣): قال فى التتمة الغالب على الناس القصور عن معرفة الحكم الذى وجب عليهم التدين به، سواء قلنا لا بد من حكاية الحكم ومستنده، أم يكفى مجرد حكاية الحكم لما


(١) الآية رقم ١٢٢ من سورة التوبة.
(٢) شرح الأزهار وهامشه المنتزع من الغيث المدرار ج‍ ١ ص ٧ والهامش ص ١٣، ١٤، ١٥ الطبعة الثانية مطبعة حجازى.
(٣) تتمة الروض النضير ج‍ ٢ ص ١٤٦ الطبعة السابقة.