للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للسابق مع اللاحق وهذا لا يجوز من الشارع.

واستدل البزدوى لهم من الكتاب أيضا بقوله سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} (١) فقد نسب وأضاف القيام إلى الأمر وذلك دليل أن الوجود معقود بالأمر (٢).

وقال البخارى: إن المراد بالقيام الوجود في بعض التأويلات فيصير الأمر سببًا للوجود واستدل اليزدوى أيضًا بآية {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (٣) الآية وقد سبق إيرادها فيما استدل به البيضاوى وقد وجه البخارى الاستدلال بها يمثل ما وجهه الإسنوى وأشار إلى أن الاستدلال في هذه الآية معترض بعدة اعتراضات لم يذكرها ثم استدل اليزدوى بالإجماع فقال: (٤)

وكذلك دلالة الإجماع حجة لأن من أراد طلب فعل لم يكن في وسعه إلا أن يطلبه بلفظ الأمر.

ويعلق البخارى على ذلك بقوله: إن العقلاء أجمعوا على أن من أراد أن يطلب فعلًا من غيره لا يجد لفظًا موضوعًا لإظهار مقصوده سوى صيغة الأمر فهذا الإجماع يدل على أن المطلوب من الأمر وجود الفعل وأنه موضوع له وإلا لم يستقم طلبهم الفعل من المأمور بهذه الصيغة.

هذا هو المراد بدلالة الإجماع والدلالة تعمل عمل الصريح إذا لم يوجد صريح يخالفه ثم ذكر اليزدوى الدليل المعقول فقال: (٥)

إن تصاريف الأفعال وضعت لمعان على الخصوص كسائر العبارات فصار مغنى المضى للماضى حقًّا لازمًا لا ينصرف عنه إلا بدليل وكذا الحال، واحتمال أن يكون للاستقبال لا يخرجه عن موضوعه وهو الحال، فكذلك صيغة الأمر لطلب المأمورية فتكون المأمورية حقًّا لازمًا بالأمر في أصل الوضع ليفيد الأمر فائدته. فقضية الأمر لغة ألا يثبت إلا بالامتثال.

٣ - النسفى وابن الملك: (٦)

يصور النسفى وشارحه ابن الملك ذلك الرأى فيقول:

إن موجب الأمر المطلق الوجوب لانتفاء الخيرة عن المأمور بالأمر بالنص وهو قول عامة العلماء واستحقاق الوعيد لتاركه.

وقد بين ابن الملك كلمة "النص" بأن قوله تعالى {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (٧) بعد قوله {اسْجُدُوا لِآدَمَ} فإنه ورد في معرض الذم على المخالفة فعلم أنه لا اختيار للمأمور فيما أُمر به وهو دليل الوجوب.

وقيل إن المراد بالنص آية {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (٨).

وقد علق على ذلك الرهاوى بقوله:

إن هذا النص هو المناسب للمقام والمعنى: ما صح للمؤمنين والمؤمنات إذا حكم الله ورسوله حكمًا أن يختاروا من أمرهما شيئا ويتمكنوا من تركه بل يجب عليهم المطاوعة في جميع أوامرهما وإذا انتفت الخيرة عن المأمور تُيقّن الوجوب.


(١) المصدر السابق ص ١١١.
(٢) المصدر السابق ص ١١٥.
(٣) آية ٦٣ سورة النور.
(٤) المصدر السابق جـ ١ ص ١١٦.
(٥) المصدر السابق.
(٦) المنار وشرحة من ١٢٠.
(٧) آية ١٢ سورة الأعراف.
(٨) آية ٣٦ سورة الأحزاب.