للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذهب الظاهرية]

ذكر ابن حزم فى المحلى أنه لا بد لصحة عقد السلم من شروط‍.

الاول: أن يقبض رأس مال السلم جميعه فى مجلس العقد، فلا يجوز أن يكون الثمن فى السلم الا مقبوضا، فان تفرقا قبل تمام قبض جميعه بطلت الصفقة كلها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بأن يسلف فى كيل معلوم أو وزن معلوم الى أجل معلوم، والتسليف فى اللغة التى بها خاطبنا النبى صلّى الله عليه وسلّم هو أن يعطى شيئا فى شئ فمن لم يدفع ما أسلف فلم يسلف شيئا لكن وعد بأن يسلف.

فلو دفع البعض دون البعض سواء أكثره أو أقله فهى صفقة واحدة وعقد واحد، وكل عقد واحد جمع فاسدا وجائزا فهو كله فاسد، لأن العقد لا يتبعض والتراضى منهما لم يقع حين العقد الا على الجميع لا على البعض دون البعض، فلا يحل الزامهما ما لم يتراضيا جميعا عليه، فهو أكل مال بالباطل، لا عن تراض، والسلم - وان لم يكن بيعا فهو دين تدايناه الى أجل مسمى وتجارة فلا يجوز أن يكون الا عن تراض (١).

فان وجد بالثمن المقبوض عيبا، فان كان اشترط‍ السلامة بطلت الصفقة كلها، لأن الذى أعطى غير الذى عقد عليه فصار عقد سلم لم يقبض ثمنه، فان كان لم يشترط‍ السلامة فهو مخير بين أن يحبس ما أخذ ولا شئ له غيره أو يرد وتنتقض الصفقة كلها، لأنه ان رد المعيب صار سلما لم يستوف ثمنه فهو باطل (٢).

وذكر ابن حزم أنه يصح أن يكون رأس مال السلم عرضا، فأجاز أن يسلمه صاحبه فى الدنانير والدراهم، كما أجاز أن يكون الحيوان الذى يصح تملكه وتمليكه رأس مال فى السلم سواء جاز بيعه أو لم يجز فيجوز أن يسلم مثل هذا الحيوان فى لحم من صنفه ان كان يحل أكل لحمه، أو فى لحم من غير صنفه.

ويجوز أن يجعل البر رأس مال السلم فى دقيق البر، والعكس أما الزرع أى زرع كان فلا يصح أن يكون رأس مال فى السلم فى القمح.

الثانى من شروط‍ صحته: أن لا يشترطا فى السلم أن يدفع المسلم فيه فى مكان بعينه فان فعلا فالصفقة كلها فاسدة - وكلما قلنا أو نقول: انه فاسد فهو مفسوخ أبدا محكوم فيه بحكم الغصب - والدليل على أن ذلك لا يجوز أنه شرط‍ ليس فى كتاب الله تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«كل شرط‍ ليس فى كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط‍» لكن حق السلم قبل المسلم اليه، فحيث ما لقيه عند محل الأجل فله أخذه يدفع حقه اليه فان غاب أنصفه الحاكم من ماله ان وجد


(١) المحلى لابن حزم ج ٩ ص ١٠٩، ص ١١٠ مسألة رقم ١٦١٤ طبع مطبعة الامام بالقاهرة.
(٢) المحلى لابن حزم ج ٩ ص ١١٠ وما بعدها مسألة رقم ١٦١٥ ومسألة رقم ١٦١٨ طبع مطبعة الامام بمصر.