للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولعلهم يدخلون المباح الذى عبروا عنه بالتخيير فى التكليف تغليبا للأحكام التكليفية عليه لكثرة أنواعها من ناحية، إذ التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ولا شئ من ذلك فى المباح، وقد يكون ذلك التغليب لأن كثيرا من الأفعال المباحة جاءت بصيغة الطلب الذى هو الاقتضاء، وقد يكون ذلك بالنظر إلى وجوب اعتقاد كونه مباحا لا بالنظر إلى الفعل نفسه، وقد قال الشاطبى: إن المباح لا يكون مطلوب الفعل، ولا مطلوب الاجتناب، وأفاض فى الاستدلال على ذلك.

حكم أفعال العباد الاختيارية

قبل بعثة الرسول

نقلت كتب الأصول خلافا طويلا فى هذا فجمهور أهل السنة على أن أفعال العباد الاختيارية قبل بعثة الرسل لا ثواب عليها ولا عقاب، فتكون كل الأفعال على البراءة الأصلية التى يعبرون عنها أحيانا بالإباحة الأصلية.

أما المعتزلة: فيقولون فيما أدرك العقل حسنه وقبحه وانعدام كل منهما فيه أنه ينقسم إلى الأقسام الخمسة التي تعلق فيها حكم الشرع بأفعال المكلفين بعد ورود الشرع وما لم يدرك العقل حسنه ولا قبحه، فإنهم يختلفون فيه على ثلاثة مذاهب: مذهب يقول بالإباحة. وآخر يقول بالتحريم. وثالث بالتوقف.

على أن هذه الأقوال نفسها تنقل عن الأشاعرة من أهل السنة فى الأفعال الاختيارية بصفة عامة قبل البعثة (١).

[ما لم يرد نص بحكمه من أفعال المكلفين]

وأما أفعال المكلفين بعد بعثة الرسل فيما لم يرد نص بحكمه، فيقول الأسنوى (٢):

الأصل فى الأشياء النافعة الإباحة، وفى الأشياء الضارة الحرمة.

ويقول ابن السبكى (٣) فى جمع الجوامع وشرح المحلى: الصحيح فى حكم أفعال العباد بعد البعثة فيما لم يرد به نص أن أصل المضار التحريم والمنافع الحل.

وقد نقل الكمال (٤) خلافا بين أهل السنة فى أن الأصل فى الأفعال الإباحة أو الحظر وناقش كلا من الرأيين بما يفيد ان الخلاف فى الأفعال قبل البعثة.

ويقول الشوكانى (٥): الأصل فيما وقع فيه الخلاف ولم يرد فيه دليل يخصه أو يخص نوعه الإباحة أو المنع أو الوقف فذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الأصل الإباحة، وذهب الجمهور إلى أن الأصل المنع، وذهب الأشعرى وبعض الشافعية إلى الوقف، وصرح الرازى فى المحصول بأن الأصل فى المنافع الإذن وفى المضار المنع.

اثر الإباحة:

إذن الشارع بالاستهلاك والاستعمال يقتضى ملكية مستقرة بالاستيلاء الحقيقى


(١) المستصفى ج‍ ١ ص ٦٣.
الأحكام ج‍ ١ ص ١٣٠.
شرح المنهاج ج‍ ١ ص ٩٦، ١٠٥.
جمع الجوامع وشرحة ج‍ ١ ص ٧٩.
(٢) الأسنوى ج‍ ٣ ص ١١٩.
(٣) ج‍ ١ ص ٧٩.
(٤) تيسير التحرير ج‍ ٢ ص ١٢١.
(٥) ارشاد الفحول ص ٢٦٥.