للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سبق إيراد الأدلة على هذا الرأى. ومما ذكره منها:

أنه لابد من زمان يقع الفعل فيه وأول الأزمنة ما كان عقب الأمر لأنه يكون ممتثلا يقينا وسالما من الخطر قطعا. ولأن الأمر سبب للزوم الفعل فيجب أن يتعقبه حكمه كالبيع والطلاق وسائر الإيقاعات. ولذلك يعقبه العزم على الفعل وإيجاده.

[سادسا: الظاهرية]

قال ابن حزم: (١)

فرض الأوامر البدار إلا ما أباح التراخى فيه نص آخر أو إجماع. وهذا هو الذي لا يجوز غيره.

ووضح في استدلاله بالآيتين "وسارعوا" "فاستبقوا الخيرات" رأيه فقال:

إن أحدا لا يؤتى المغفرة إلا بعمل صالح يقتضى له وعد الله تعالى بالرحمة والمغفرة. وعلمنا ذلك يقينا أن مراد الله تعالى بالآية الأولى إنما هو سارعوا إلى الأعمال الموجبة للمغفرة من ربكم إذ لا سبيل إلى المسارعة إلى المغفرة إلا ذلك. وهذا من الحذف الذي دلت عليه الحال. وإنما قلت هذا لوجهين:

أحدهما: النص الجلى الوارد في أنه لا يجزى أحد بمغفرة ولا غيرها إلا بحسب عمله.

الثاني: النص الوارد بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وليس في وسع أحد المسارعة إلى نيل المغفرة المجردة دون توسط عمل صالح فهذان الظاهران نصا أن في تلك الآية حذفا دلت عليه الحال. فما كان مرتبطا بوقت واحد كصيام رمضان فقد جاء النص بإيجاب تأخيره إلى وقته، فإذا خرج الوقت فقد ثبت العجز عن تأديته كما أمرنا إلا بأن يأتى في شئ من ذلك نص آخر فيوقف عنده. وما كان مرتبطا بوقت فيه مهلة فقد جاء النص بإباحة تأخيره إلى آخر وقته وإيجاب تأخيره إلى أول وقته؛ فإذا خرج الوقت فالكلام فيه كما قلنا في الذي قبله ولا فرق. وذلك كأوقات الصلاة. وما لم يأت مرتبطا بوقف ففرضه البدار في أول أوقات الإمكان إلا أن الأمر به لا يسقط عن المأمور به لعصيانه في تأخيره. وكذلك ما كان مرتبطا بوقت له أول محدود ولم يحد آخره أو ما كان مرتبطا بوقت محدود متكرر.

فالنوع الأول كقضاء صيام المريض والمسافر لأيام رمضان فذلك لازم في أول أوقات القدرة عليه فإن بادر المرء إليه فقد أدى ما عليه وإن أخره لغير عذر كان عاصيا بالتأخير وكان الأمر عليه ثابتا أبدا.

والنوع الثاني كوجوب الزكاة فإن لوقتها أولا وهو انقضاء الحول وليس قبل ذلك أصلا. وليس الآخر وقتها آخر محدود بل هو باق أبدا إلى وقت العرض على الله عز وجل لأن النص لم يأت في ذلك بانتهاء.


(١) الإحكام ص ٤٥ جـ ٣