للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يليك" جعل للتأديب وهو داخل في الندب والآداب مندوب إليها. وقوله "تمتعوا" للإنذار قريب من قوله "اعملوا ما شئتم" (١) الذي هو للتهديد.

ومضى في بحثه فقال: "لا تطول بتفصيل ذلك وتحصيله فالوجوب والندب والإرشاد والإباحة أربعة وجوه محصلة ولا فرق بين الإرشاد والندب إلا أن الندب لثواب الآخرة والإرشاد للتنبيه على المصلحة الدنيوية فلا ينقص ثواب بترك الإشهاد في المداينات ولا يزيد بفعله".

"وقال قوم هو مشترك" وقال قوم يدل على أقل الدرجات وهو الإباحة. وقال قوم هو للندب ويحمل على الوجوب بزيادة قرينة وقال قوم هو للوجوب فلا يحمل على ما عداه إلا بقرينة".

"وسبيل كشف الغطاء أن ترتيب النظر في مقامين:

الأول: في بيان أن هذه الصيغة هل تدل على اقتضاء وطلب أم لا؟

الثاني: في بيان أنه إن اشتمل على اقتضاء فالاقتضاء موجود في الندب والوجوب على اختيارنا في أن الندب داخل تحت الأمر. فهل يتعين لأحدهما؟ أو هو مشترك؟

ثم قال: قد أبعد من قال إن قوله افعل مشترك بين الإباحة والتهديد الذي هو المنع وبين الاقتضاء. فإنا ندرك التفرقة في وضع اللغات كلها بين قولهم افعل ولا تفعل وإن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل حتى إذا قدرنا انتفاء القرائن كلها وقدرنا هذا منقولًا على سبيل الحكاية عن ميت أو غائب لا في فعل معين من قيام وقعود وصيام وصلاة بل في الفعل مجملًا سبق إلى فهمنا اختلاف معاني هذه الصيغ وعلمنا قطعًا أنها ليست أسامى مترادفة على معنى واحد كما أنا ندرك التفرقة بين قولهم في الأخبار قام زيد ويقوم زيد وزيد قائم في أن الأول للماضى والثانى للمستقبل والثالث للحال. هذا هو الوضع وإن كان قد يعبر بالماضى عن المستقبل وبالمستقبل عن الماضي لقرائن تدل عليه.

وكما ميزوا الماضي عن المستقبل ميزوا الأمر عن النهى وقالوا في باب الأمر افعل وفى باب النهى لا تفعل وأنهما لا ينبئان عن معنى قوله إن شئت فافعل وإن شئت فلا تفعل فهذا أمر نعلمه بالضرورة من العربية والتركية والعجمية وسائر اللغات لا يشككنا فيه إطلاق مع قرينة التهديد ومع قرينة الإباحة في نوادر الأحوال".

[٢ - رأى الآمدى]

قال الآمدى: (٢) "اتفق الأصوليون على اطلاق صيغة الأمر بإزاء خمسة عشر معنى وذكر الوجوب والندب والإرشاد والإباحة والتعجيز والإهانة والتسوية والدعاء والتمنى والتأديب والامتهان والإكرام والتهديد والإنذار والتسخير وكمال القدرة.

ومثل لكل منها وجعل مثال التعجيز -الذي لم يذكره الغزالى قوله سبحانه {كُونُوا حِجَارَةً} (٣).

ثم قال: وقد اتفقوا على أن الصيغة مجاز فيما سوى الطلب والتهديد والإباحة غير أنهم اختلفوا فمنهم من قال مشتركة كاشتراك لفظ القرء - بين الطلب للفعل وبين التهديد المستدعى


(١) آية ٤٠ سورة فصلت.
(٢) الإحكام جـ ٢ ص ٢٠٧.
(٣) آية ٥٠ سورة الإسراء.