للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه من الضرر بالفريقين، فان سألوا الانظار نظر فى حالهم وبحث عن أمرهم، فان بان له أن قصدهم الرجوع الى الطاعة ومعرفة الحق امهلهم، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: اجمع على هذا كل ما احفظ‍ عنه من أهل العلم، فان كان قصدهم الاجتماع على قتاله وانتظار مدد يقوون به أو خديعة الامام أو ليأخذوه على غرة ويفترق عسكره لم ينظرهم وعاجلهم لأنه لا يأمن أن يسير هذا طريقا الى قهر أهل العدل ولا يجوز هذا وان أعطوه عليه مالا لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على اقرارهم على ما لا يجوز اقرارهم عليه.

وان بذلوا له رهائن على انظارهم لم يجز أخذها لذلك ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم فلا يفيد شيئا.

وان خاف الامام على الفئة العادلة الضعف عنهم أخر قتالهم الى أن تمكنه القوة عليهم لأنه لا يؤمن الاصطلام والاستئصال فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل ثم يقاتلهم.

وان سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين نظر، فان لم يعلم قوته عليهم وخاف قهرهم له ان قاتلهم تركهم.

وان قوى عليهم لم يجز اقرارهم على ذلك لأنه لا يجوز أن يترك بعض المسلمين طاعة الامام ولا تؤمن قوة شوكتهم بحيث يفضى الى قهر الامام العادل ومن معه، ثم ان امكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم لأهلهم ولأن المقصود اذا حصل بدون القتل لم يجز القتل من غير حاجة (١).

فاذا ترك أهل البغى القتال اما بالرجوع الى الطاعة واما بالقاء السلاح واما بالهزيمة الى فئة او الى غير فئة واما بالعجز لجراح أو مرض أو أسر فانه يحرم قتلهم واتباع مدبرهم لما روى عن على رضى الله تعالى عنه انه قال يوم الجمل لا يذفف على جريح ولا يهتك ستر ولا يفتح باب.

ومن أغلق بابا فهو آمن ولا يتبع مدبر، وقد روى نحو ذلك عن عمار وعن على رضى الله تعالى عنه انه ودى قوما من بيت مال المسلمين قتلوا مدبرين، وعن ابى امامة انه قال شهدت صفين وكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا، وقد ذكر القاضى رحمه الله تعالى فى شرحه عن عبد الله ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «يا ابن ام عبد ما حكم من بغى على امتى؟ فقلت الله ورسوله أعلم فقال لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل اسيرهم ولا يقسم فيئهم» (٢).

[مذهب الظاهرية]

جاء فى المحلى ان تأويل البغاة يختلف، فأى طائفة تأولت فى بغيتها طمسا لشئ من


(١) المغنى لأبى محمد عبد الله بن احمد ابن قدامة المقدسى على ابى القاسم عمر ابن حسين بن عبد الله بن احمد الخرقى ج ٨ ص ١٠٨، ١٠٩ تعليق السيد محمد رشيد رضا، الطبعة الثالثة، طبع دار المنار سنة ١٣٦٧ هـ‍.
(٢) المرجع السابق ج ٨ ص ١١٤، ١١٥ نفس الطبعة.