للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا قال ابن الحاجب: الأمر اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء. وأريد بالاقتضاء ما يقوم بالنفس من الطلب لأن الأمر في الحقيقة هو ذلك الاقتضاء والصيغة سميت به مجازًا لدلالتها عليه وإذا كان القول بمعنى المقول يكون هذا التعريف مناسبًا لمذهب المعتزلة لأنهم لما أنكروا الكلام النفسى لزمهم أن يحدوه بالكلام اللفظى فقالوا الأمر عبارة عن قول القائل إلخ.

وأما مذهب أهل السنة فالأمر في الحقيقة هو المعنى القائم في النفس فيكون قوله "افعل" عبارة عن الأمر لا حقيقة الأمر.

ويمكن أن يجاب بأن بحث الأصولى ليس في الكلام النفسى وإنما يبحث عن المتكلم ولا يضر كونه مناسبًا لمذهب المعتزلة فإنه في الوقت نفسه مناسب لاعتبارنا للأمر من قبيل الخاص الذي هو من أقسام القرآن والقرآن الكريم عبارة عن النظم والمعنى وبحث الأصولى ليس إلا فيه من هذه الحيثية "الألفاظ ومعانيها" (١) ثم أورد ابن الملك اعتراضًا على تعريف النسفى للأمر فقال: (٢)

ولقائل أن يورد عليه أنه إن أراد اصطلاح العربية فالتعريف غير جامع لأن صيغة "افعل" عندهم أمر سواء كان على طريق الاستعلاء أو غيره، وأن أراد اصطلاح أهل الأصول فغير مانع لأن صيغة افعل على طريق الاستعلاء قد تكون للتهديد والتعجيز ونحو ذلك وليست بأمر لأنه لم يستعمل الطلب.

ثم ناقش ما استدلوا به بمثل ما سبق نقله عن اليزدوى والبخارى. ويستدرك عزمى زاده في حاشيته على المنار على القول "بأنه لا خلاف بيننا وبينهم في أن الأمر اسم لما هو موجب" إلخ.

فقال: "وأيضًا لا خلاف في أن الصيغة المخصوصة تسمى أمرًا على الحقيقة فيحصل به الإيجاب".

ثالثًا: طريقة المتأخرين

وهم الذين جمعوا بين طريقة المتكلمين كالآمرى وابن الحاجب والبيضاوى والأسنوى وطريقة الحنفية كاليزدوى وعبد العزيز البخارى والنسفى وشراح كتبهم.

من هؤلاء صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود صاحب التنقيح وشراحه والكمال بن الهمام في التحرير وشرحه والسبكى في جمع الجوامع وشرحه للمحلى. وغيرهم.

[١ - صدر الشريعة]

قال: (٣) الأمر قول القائل استعلاء "افعل"

وفسر التفتازانى الاستعلاء بأنه طلب العلو وعد نفسه عاليًا واحترز بقيد الاستعلاء عن الدعاء والالتماس مما هو بطريق الخضوع أو التساوى ولم يشترط العلو ليدخل فيه قول الأدنى للأعلى "افعل" على سبيل الاستعلاء. ولهذا ينسب إلى سوء الأدب. وعلى هذا يكون قول فرعون لقومه: "ماذا تأمرون" مجازًا أي تشيرون.

والمراد بقوله "افعل" ما يكون مشتقًا من مصدر على طريقة اشتقاق افعل من الفعل.


(١) المصدر السابق ص ١١.
(٢) المصدر السابق.
(٣) شرح التوضيح على التنقيح لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود وحواشيه. السبعة الأولى بالمطبعة الخيرية ١٣٢٢ جـ ٢ ص ٤٤.