للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلك الثالث: الاستدلال بالمعقول، قال الآمدى: «وأما المعقول فهو أن الخلق الكثير وهم أهل كل عصر إذا اتفقوا على حكم قضية وجزموا به جزما قاطعا، فالعادة تحيل على مثلهم الحكم الجزم بذلك والقطع به وليس له مستند قاطع بحيث لا يتنبه واحد منهم إلى الخطأ فى القطع بما ليس بقاطع، ولهذا وجدنا أهل كل عصر قاطعين بتخطئة مخالفى ما تقدم من إجماع من قبلهم، ولولا أن يكون ذلك عن دليل قاطع لاستحال فى العادة اتفاقهم على القطع بتخطئة المخالف، ولا يقف واحد منهم على وجه الحق فى ذلك (١)».

وقد عبر صاحب مسلم الثبوت وشرحه عن هذا الدليل بقولهما:

لنا (أى يدل لنا على ما قلناه من حجية الإجماع) اتفاقهم فى كل عصر على القطع بتخطئة المخالف للإجماع من حيث هو إجماع، واتفاقهم على تقديمه على القاطع، وعدهم تفريق عصا الجماعة من المسلمين أمرا عظيما وإثما كبيرا والعادة تحيل اجتماع مثل هؤلاء من الأخيار الصالحين من الصحابة والتابعين المحققين على قطع فى حكم ما، لا سيما القطع بكون المخالفة أمرا عظيما، لا عن نص قاطع، بحيث لا يكون للارتياب فيه احتمال، فإنه قد علم بالتجربة والتكرار من أحوالهم وفتاويهم علما ضروريا أنهم ما كانوا يقطعون بشئ إلا ما كان كالشمس على نصف النهار (٢).

ويعلق الآمدى على هذا الاستدلال بالمعنى المعقول فيقول:

«ولقائل أن يقول: إن العادة لا تحيل الخطأ على الخلق الكثير بظنهم ما ليس قاطعا قاطعا ولهذا فإن اليهود والنصارى مع كثرتهم كثرة تخرج عن حد التواتر قد أجمعوا على تكذيب محمد عليه السلام وإنكار رسالته وليس ذلك إلا لخطئهم فى ظن ما ليس قاطعا قاطعا، وبالجملة، فإما أن يقال باستحالة الخطأ عليهم فيما ذهبوا إليه، أو لا يقال باستحالته، فإن كان الأول لزم ألا يكون محمد نبيا حقا بإجماعهم على تكذيبه، وإن كان الثانى - أى عدم استحالة الخطأ عليهم - فهو المطلوب (٣)».

وهذا الذى قاله الآمدى هو تلخيص لما ذكره الغزالى فإنه اعترض على هذه الطريقة قائلا: «وهذه الطريقة ضعيفة عندنا، لأن منشأ الخطأ إما تعمد الكذب وإما ظنهم ما ليس بقاطع قاطعا، والأول غير جائز على عدد التواتر، وأما الثانى فجائز، فقد قطع اليهود ببطلان نبوة عيسى ومحمد عليهما السلام، وهم أكثر من عدد التواتر، وهو قطع فى غير محل القطع، ولكن ظنوا ما ليس بقاطع قاطعا (٤)».

ثالثا: ما استدل به القائلون بعدم حجية الإجماع:

المنكرون للإجماع يسلكون فى الاستدلال

على رأيهم مسلكين:


(١) ص ٣١٩ ج‍ ١ من الأحكام للآمدى.
(٢) ص ٢١٣ من شرح مسلم الثبوت ج‍ ٢.
(٣) ص ٣٢ ج‍ ١ من الأحكام للآمدى.
(٤) ص ١٨٠ من المستصفى للغزالى ج‍ ١.