للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا شأنه وصفته؛ لأن كليهما عبادة مأمور بها مفتقرة إلى النية وإن كان القائم بها ليس كذلك لم تجزئ افتقارها إلى النية على الصحيح من المذهب لمعنى العبادة فيها وعلى القول بعدم اشتراط النية فيها ينبغى أن يجز فعل الغير فيها مطلقا كأداء الدين ورد الوديعة ونحوهما. والقول بعدم اشتراط النية فيها ذهب إليه بعض الأصحاب قياسا على أداء الديون مستدلا بأخذ الإمام لها كرها وأجزائها عند ذلك مع عدم النية ممن وجبت عليه ولكن المنقول عن مالك اشتراط النية فيها لما فيها من معنى التعبد من جهة مقدارها في نصابها والواجب فيها وغير ذلك (١). ويلاحظ أن الإنابة في توزيع أموال الزكاة على اختلاف أنواعها جائزة عند المالكية من غير خلاف لأنه عمل مالى محض.

الإنابة في الزكاة: والاستنابة فيها عندهم مندوبة بعدا عن الرياء وحب المحمدة. وإذا كان من وجبت عليه الزكاة جاهلا بأحكام تفريقها أو خشى وقوع الرياء منه وجب عليه استنابة العارف بأحكامها.

الإنابة في العتق: في عتق الإنسان من غيره قال مالك في المدونة من أعتق عبده عن ظهار غيره على جعل جعله له فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل ولا يجزئه عن كفارة الظهار وقال صاحب الجواهر في العتق عن الغير ثلاثة أقوال الإجزاء وهو المشهور قاله ابن القاسم وعدم الإجزاء ذهب إليه أشهب وقال عبد الملك بن الماجشون إن أذن في العتق أجزأ عنه وإلا فلا وعن اللخمى يجزئ العتق عن ظهار الغير عند ابن القاسم وإن كان المعتق أبا للمعتق وفرق بعض الأصحاب بين عتق الإنسان عن غيره وبين دفع الزكاة عنه فلا يجزئ الدفع في الزكاة لأنها ليست في الذمة بل في المال ويجزئ في الكفارة لأنها في الذمة قال اللخمى والحق الإجزاء فيهما لأنهما كالدين (٢).

الإنابة في الحج: الحج كما تقدم من العبادات البدنية المالية ولكن المالكية غلبوا فيه جانب البدنية فذهبوا إلى عدم جواز الإنابة فيه إذا كان فرضا سواء في ذلك حال المرض، وحال الصحة فمن كان عليه حجة الإسلام لم يجز له أن ينيب عنه فيها حتى إذا استأجر غيره ليقوم بها كانت الإجازة فاسدة للأجير أجر مثله إن أتم عمله وإلا فلا شئ له أما إن كان الحج تطوعا كان يكون المستنيب مريضا لا يرجئ برؤه فسقط بذلك عنه الحج أو سبق له أن حج حجة الإسلام فإن الإنابة فيها صحيحة والإجارة عليها صحيحة مكروهة كالاستئجار على العمرة إذ الأولى له أن يؤدى ذلك بنفسه ومن عجز بنفسه ولم يقدر عليه في أي عام من حياته فقد سقط عنه الحج باتا ولا يلزمه الاستئجار عليه ولو كان غنيا قادرا على دفع الأجرة غير أنه إذا استأجر عليه سواء أكان صحيحا أم مريضا وسواء أكان الحج الذي استأجر عليه فرضا أو نفلا فلا يكتب له بل يقع الحج نفلا للأجير وللمستأجر ثواب مساعدة الأجير على الحج كما أنه إذا أوصى شخصا بأن يحج عنه فحج عنه تنفيذا للوصية أو حج عنه (٣)


(١) الفروق للقراقى ج ٣ ص ١٨٦.
(٢) الفروق ج ٣ ص ١٨٨.
(٣) بلغة السالك ج ١ ص ٢١٩ وشرح الخرشى ج ٢ ص ٢٢٠ وما بعدها.