الحد عليه ان كان رجوعه بعد الشروع فيه وذلك لأنه يحتمل ان يكون صادقا فى انكاره فيكون كاذبا فى اقراره وذلك يورث شبهة فيه والحد مما يدرأ بالشبهات. ولأنه يستحب للامام تلقين المقر الرجوع عن الاقرار بقوله:
املك لمستها أو قبلتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما عز حين أقر عنده بالزنا فلو لم يكن الرجوع مبطلا للاقرار بالزنا واشباهه لم يكن لتلقينه فائدة ولا معنى.
وانما شرع التلقين احتيالا لدرء الحد لقول النبى صلّى الله عليه وسلّم «ادرءوا الحدود بالشبهات» وقوله «ادرءوا الحدود ما استطعتم». ومثل الاقرار بالزنا الاقرار بالسرقة والشرب يصح الرجوع عنهما .. الا أن الاقرار بالسرقة يصح الرجوع عنه بالنظر للقطع لكونه حق الله تعالى فلا يقطع ولا يصح الرجوع عنه بالنظر لحق الحق وهو المال المسروق فلا يسقط عنه ضمانه ..
هذا بالنظر للاقرار بحقوق الله تعالى الخالصة ..
وأما الاقرار بحقوق العبيد الصرفة كالدراهم والدنانير وسائر الحقوق فى المعاملات الدنيوية او بما يشتمل على الحقين كحد القذف فانه لا يصح الرجوع عنه فيها لأن غاية ما يحدثه الرجوع عن الاقرار فى ذلك وجود شبهة فى ثبوتها. وهذه الحقوق تثبت مع الشبهة. ومن ذلك الاقرار بالقصاص لأنه حق العبد المحصن فلا يحتمل الرجوع.
[المواضع التى تسمع فيها البينة مع الاقرار]
الأصل أن البينة لا تقام الا على منكر فمتى أقر المدعى عليه بالدعوى لم يحتج بعد ذلك للبينة لثبوت الدعوى بالاقرار الذى هو من أقوى الحجج. وليس للمدعى أن يحضر شهودا بعد ذلك على دعواه وليس للقاضى أن يشتغل بسماع شهادة شهود على تلك الدعوى وما عليه بعد الاقرار بالدعوى الا أن يحكم بمقتضى ذلك الاقرار .. هذا هو الأصل. ولكنهم استثنوا من هذا الأصل مسائل تسمع فيها البينة مع الاقرار. لا لأن الاقرار لم يثبت به الحق المدعى به بل لأن البينة تتعدى لغير المقر والاقرار لا يتعدى. والمقصود تعدية الحكم لغير المقر منعا للضرر .. وليس معنى هذا أن القاضى يطلب سماع البينة بعد الاقرار بل معناه انه اذا طلب منه سماعها يجيب الطالب الى طلبه مراعاة وتخفيفا لتلك المصلحة ثم يحكم بعد ذلك بمقتضاها لا بمقتضى الاقرار تحصيلا لتلك الفائدة. اللهم الا فى بعض المسائل فان القاضى يطلب فيها البينة مع الاقرار من تلقاء نفسه ولا يحكم بمقتضاه اما لعدم صحته شرعا او لعدم كفايته فى اثبات الدعوى كما يعلم. ذلك من تتبع المسائل. وهذه المسائل التى تسمع فيها البينة مع الاقرار هى:
١ - الوكالة فلو ان رجلا اقر لآخر بوكالته عن فلان دائنه فى قبض دينه. كان لهذا الوكيل الحق فى استيفاء دين الموكل على هذا المقر بمقتضى اقراره بوكالته عنه ولكن حيث ان الاقرار لا يتعدى لغير المقر فلو جاء الدائن وانكر الوكالة لم يبرأ المدين من الدين بدفعه اياه لمن اقر له بالوكالة فيجوز ان تسمع من الوكيل بينته على أنه وكيل فلان بقبض دينه رغم اقرار المدين بهذه الوكالة ليتعدى الحكم بعد ذلك للموكل حتى لو انكر الوكالة بعد