للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى المقصود.

وأما القائلون بالوقف فإنهم يتوقفون عند عدم وجود القرينة فإذا وجدت زال التوقف.

ويقول الرهاوى في حاشيته على المنار (١).

إن الأمر لا حكم له أصلًا بدون القرينة إلا التوقف مع اعتقاد أن ما أراد صاحب الشرع منها حق لأنها مجملة لازدحام المعانى. وحكم المجمل التوقف.

[الأمر بعد الحظر]

هذا البحث يتصل بمذهب جمهور الأصوليين الذين اتفقوا على أن الأصل في حقيقة الأمر هو الوجوب، وقد تكلم هؤلاء فيما إذا ورد مطلقًا بعد التحريم أي مسبوقًا بتحريم المأمور به وبحثوا عن حقيقته حينئذ ثم اختلفوا في أن الأمر؛ أيفيد الوجوب حينئذ كإفادته إياه قبل التحريم أم يفيد الإباحة أم الندب. ومنهم من توقف ويتضح هذا من تورده بعد.

أولًا: رأى الشافعية والمالكية:

[١ - الغزالى]

ينقل الغزالى في هذه المسألة عن قوم أنهم قالوا: لا تأثير لتقديم الحظر أصلًا على الأمر (٢).

وينقل عن قوم آخرين أنهم قالوا: إن تقديم الحظر على الأمر قرينة تصرف الصيغة إلى الإباحة ثم قال: والمختار أنه ينظر فإن كان الحظر السابق عارضًا لعلة وعلقت صيغة افعل بزواله كقوله سبحانه {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (٣) فعرف الاستعمال يدل على أنه لرفع الذم فقط حتى يرجع حكمه إلى ما قبله وإن احتمل أن يكون رفع هذا الحظر بندب وإباحة لكن الأغلب ما ذكرناه كقوله تعالى {فَانْتَشِرُوا} وكقوله عليه السلام "كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى فادخروا".

أما إذا لم يكن الحظر عارضًا لعلة ولا صيغة افعل علق بزوالها فيبقى موجب الصيغة على أصل التردد بين الندب والإباحة. ونزيح ههنا احتمال الإباحة ويكون هذا قرينةً تُزِيح هذا الاحتمال وإن لم تعينه إذ لا يمكن دعوى عرف الاستعمال في هذه الصيغة حتى يغلب العرف الوضع أما إذا لم ترد صيغة "افعل" لكن قال فإذا حللتم فأنتم مأمورون بالاصطياد فهذا يحتمل الوجوب والندب ولا يحتمل الإباحة لأنه عرف في هذه الصورة وقوله أمرتكم بكذا يضاهى قوله افعل في جميع المواضع إلا في هذه الصورة وما يقرب منها.

[٢ - الآمدى]

ويصور الآمدى هذه المسألة في قوله: (٤)

إنه إذا وردت صيغة افعل بعد الحظر فمن قال أنها للوجوب قبل الحظر اختلفوا فمنهم من أجراها على الوجوب ولم يجعل لسبق الحظر تأثيرًا كالمعتزلة ومنهم من قال إنها للإباحة ورفع الحجر لا غير وهم أكثر الفقهاء ومنهم من توقف كإمام الحرمين وغيره.

والمختار أنها وإن كانت ظاهرة في الطلب


(١) المنار ص ١٢٠.
(٢) المستصفى جـ ١ ص ٤٣٥.
(٣) آية ٢ سورة المائدة.
(٤) الإحكام للآمدى جـ ٢ ص ٢٦٠.