للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما قياسهم المقلد على المجتهد فممنوع لوجود الفارق بينهما وهو أن المجتهد اذا تبين له الراجح منع من العدول عنه لكونه حكم الله فى حقه.

فعدوله انما يكون عدولا عن فرضه الى غيره ورجوعا من المواضح الى المشكل وحال المقلد بخلاف ذلك فان أخذه بقول العالم ليس طريقا الى معرفة الراجح وانما هو اختيار منه لكون جميع أقوال المجتهدين صوابا فحاله بعد التقليد كحاله من قبله نعم تمنع الانتقال من مذهب الى مذهب لمجرد التشهى.

والخطوط‍ العاجلة لأن ذلك يؤدى الى الانهماك فى الرخصة وعدم المبالات بالديانة حتى أن أصحابنا رحمهم الله تعالى منعوا من افتاء طالب الرخصة بل الوقوع فيها وما ذلك الا لخوف التساهل فى الديانة.

وطلب الجزم فى أمور الدين والنجاة للمسلمين وتجويز المانعين الانتقال فى بعض الصور ناقض لقياسهم المذكور فان قياسهم يقتضى اطلاق المنع وذلك لتجويز تخصيص بغير مخصص فهو نقض لمذهبهم والله أعلم.

ثم أنه أخذ فى بيان ما اذا تعدد المجتهدون وكان فيهم الفاضل والمفضول فقال:

اذا تعدد المجتهدون واختلفت أقوالهم وكان فيهم الفاضل والمفضول.

قال ابن الحاجب وغيره يجوز للمستفتى أن يقلد غير الأفصل ولا يلزمه أن يتحرى الأكمل فى العلم والورع اذا كانوا جميعا أهل اجتهاد وعدالة.

اذ قد حصل لمصحح فى كل واحد منهم.

وقيل بل يلزمه تحرى الأكمل فى معرفة علوم الاجتهاد فيقوى ظن الصحة لفتواه كالمجتهد يلزمه تحرى أقوى الامارات الدالة على الحكم.

والصحيح جواز تقليد المفضول مع كمال أسباب الاجتهاد.

والثقة بعدالته وسكون القلب الى تقواه والدليل على ذلك أن الافتاء قد شهد فى زمن الصحابة رضى الله تعالى عنهم من جماعة فيهم الفاضل والمفضول.

ولم ينكر أحد منهم افتاء المفضول ولم يعنف سائله ولو كان ذلك غير واسع للناس ما سكت عليه الصحابة رضى الله تعالى عنهم فهو اجماع منهم على جوازه منهم وكذلك وقع فى زمن التابعين وتابعيهم الى يومنا هذا.

ولا نكير من أحد من المسلمين فكان اجماعا من التابعين ومن بعدهم أيضا فلا وجه للقول بخلافه.

[حكم أخذ الاجرة على الافتاء]

جاء (١) فى البحر الرائق: الأولى أن يتبرع المفتى بالفتوى فان أخذ رزقا من بيت المال جاز الا أن تعينت الفتوى عليه.

وله كفاية ولا يأخذ أجرة من مستفت فان جعل له أهل البلد رزقا جاز وان استؤجر جاز.

والأولى كونها بأجرة مثل كتبه مع كراهة وله قبول هدية لا رشوة على فتوى لما يريد وعلى الامام أن يفرض لمدرس.

ودفعت كفايته وفى حاشية ابن عابدين (٢) نقلا عن الخانية أنه يجوز للامام والمفتى قبول الهدية.


(١) البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج‍ ٦ ص ٢٩١ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) انظر كتاب رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه للسيد محمد أمين الشهير بابن عابدين ج‍ ٤ ص ٣٢٣، ٣٢٤ وما بدهما طبع مطابع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة ١٣٢٥ الطبعة الثالثة.