للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول بعض المالكية: انها الخوف على النفس من الهلاك علما أو ظنا (١).

وقد علق بعضهم على ذلك فقال وهل الاضطرار هو خوف الهلاك أو خوف الضرر؟ قولان: لمالك والشافعى.

ثم قال بعد هذا: وذهب مالك الى أن الاضطرار خوف (٢) الهلاك.

[الاضطرار والضرورة]

لما كان الضرر هو أصل كل من هاتين الكلمتين - كما قرر ذلك علماء اللغة ولما كان الفقهاء يعبرون عن حالة خوف الهلاك تارة بكلمة الضرورة وتارة أخرى بكلمة الاضطرار فان ذلك يدل على أن كلا منهما يؤدى نفس المعنى المراد من الآخر.

أثر الاضطرار فى التشريع الاسلامى

وحكمة مشروعيته

من رحمة الله بعباده أن شرع لهم أحكاما تنير لهم الطريق فى أمور دينهم ودنياهم فبين الحلال وأباحه لهم، لأنه سبحانه خلق الخلق وهو يعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله الله لهم كما بين الحرام، لأنه عز وجل علم ما يضر عباده حين خلقهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم ولكنه أحل هذه المحرمات للمضطر فى الوقت الذى لا يقوم بدنه الا به ولذلك فان الأثر المباشر لنظرية الاضطرار هو اباحة بعض المحرمات وعلى وجه خاص المطعومات والمشروبات.

وقد قال الفقهاء ان هناك أفعالا يبيحها الاضطرار وهى: التناول من المطعوم والمشروب المحرم كالميتة والدم ولحم الخنزير وطعام الغير، وأفعالا يرخص الاضطرار فيها ومثلوا لها باجراء المكره كلمة الكفر على لسانه من غير أن يعتقدها جنانه لقوله تعالى: «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» وهذه الحالة تراجع فى موضعها (انظر مصطلح اكراه).

كما انهم قالوا: ان الاضطرار لا يبيح القتل ولا يرخص فيه باستثناء قتل الصائل، وكذلك لا يبيح ولا يرخص فى جريمة الزنا لأنه قتل للنفس بالضياع الا أن الفقهاء قد اختلفوا فى وجوب الحد للشبهه، وقد تناول الفقهاء هذه المسألة بصورة واضحة فى باب الاكراه فليرجع اليه فى المصطلح الخاص به.

وأما عدم تأثيره فى جريمة القتل فسيتبين من عرض النصوص الفقهية


(١) الشرح الكبير للدردير ج ٢ ص ١١٥ طبع المكتبة التجارية.
(٢) شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج ٣ ص ٣٢٦.