للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يريده المتكلم من الأيمان والعقود وما إلى ذلك، وفى معرفة قيم المتلفات وأشباهها، وفى الوقوف على الشروط‍ التى يصحح العرف اشتراطها فى العقود.

هذا هو كل ما يلجأ فيه إلى العرف، ولا يلجأ إليه فى معرفة حكم تشريعى ليطبق، وإنما يلجأ إليه فى تكييف الواقعات والنوازل ليطبق عليها الحكم المعروف فى الشريعة، ولا يترك بسببه حكم نص ولا إجماع ولا حكم فقهى لم يكن مبنيا على العرف، وإنما يترك به الحكم الفقهى إذا كان مبنيا على عرف ثم تغير إلى عرف آخر. فاعتبار العرف فى الشريعة الإسلامية ليس من باب الإحالة التشريعية، كما أنه ليس من الأدلة الإجمالية، ولا يعدو أن يكون قاعدة فقهية.

أما شرائع من قبلنا، فالكل متفقون على أن ما لم يروه الشارع لنا لا يكون شريعة لنا، وأن ما رواه لنا وأمرنا باتباعه كان من أحكام شريعتنا، واختلفوا فيما رواه لنا ولم يأمرنا باتباعه، فذهبت طائفة: إلى أن مجرد الرواية يعتبر كالأمر فيكون من شريعتنا، وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يكون شريعة لنا. فمسألة شرائع من قبلنا أبعد ما تكون عن موضوع الإحالة وعن أن تكون دليلا إجماليا ومصدرا فقهيا.

والمعتزلة قد ذهبوا: إلى أن العقل يستقل بادراك ما فى الأفعال من حسن وقبح، وبالتالى يستقل بادراك حكم الله الملائم لذلك وإن لم يأت به شرع ولم ينزل به الوحى. فالمصدر الأصلى عندهم للوقوف على حكم الله هو العقل.

أما جمهور المسلمين فعلى أنه لا حكم للعقل وأن حكم الله لا يعرف إلا من قبله، ولا يكون ذلك إلا من طريق الوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (الكتاب والسنة) الذى أمر بتبليغه إلى الناس فبلغه.

فالطريق الوحيد إلى ذلك، هو تبليغ الرسول عليه الصلاة والسلام، فلا عبرة بالإلهام والمكاشفة وأشباهها، فكل هذا لا يكون طريقا لمعرفة حكم الله، لأنه ليس وحيا. والتبليغ إنما يكون من الرسول عليه الصلاة والسلام فى يقظة المبلغ إليه، فلا عبرة بتبليغ الأحلام.

[أ - المصادر عند الجمهور]

ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء إلى أن مصادر الفقه أى أدلته الإجمالية هى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقالوا أن المصدر الحقيقى هو الوحى كتابا كان أو سنة، أما الإجماع والقياس فمردهما إليه، وما ذكرا استقلالا إلا لكثرة بحوثهما، وذلك لأن المجمعين لا يضعون أحكاما من عند أنفسهم، ولا يجمعون عن الهوى والتشهى، ولا يكون إجماعهم إلا مستندا لأحد هذين المصدرين.

وكل من الكتاب والسنة قد أديت معانيه بلغة العرب الفصحى، ويخضع فى إفادته لهذه المعانى لأنواع الدلالات اللغوية ومنها دلالة اللفظ‍ بمنطوقه، ومنها دلالة معنى اللفظ‍ ومناط‍ الحكم الذى شرع باللفظ‍ المنطوق، وهذه الدلالة هى القياس. فكل من الإجماع والقياس راجع إلى الكتاب والسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>