للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانه يجزئه صومه، ولو كان ذلك الاغماء لمرض به لم يجزه صومه قال ابن يونس رحمه الله تعالى لأن المغمى عليه غير مكلف فلم تصلح له نية والنائم مكلف لو نبه انتبه، وجاء فى المدونة أن من أغمى عليه بعد أن أصبح ونيته الصوم فأفاق نصف النهار وأغمى عليه وقد مضى أكثر النهار أجزأه صوم ذلك اليوم، وروى - الخطاب عن ابن عبد السلام رحمه الله تعالى أن الاغماء ان كان فى أقل النهار مع سلامة أوله فلا أثر له كالنوم وذلك لكثرته فى الناس بخلاف الجنون لقلته وظاهر كلام صاحب الطراز أن حكم الجنون والاغماء سواء فقد قال فى باب الاعتكاف اذا أغمى عليه أو جن وكان فى عقله حين الفجر أو أكثر النهار ولم يخرج من المسجد حتى دخل الليل يجزئه عكوفه ذلك اليوم على ما مر فى صحته صومه (١).

[مذهب الشافعية]

جاء فى مغنى المحتاج أن الصوم لا يجب على المغمى عليه لأن العقل شرط‍ وجوب صوم رمضان (٢). وجاء فى المهذب أنه اذا نوى انسان الصوم من الليل ثم أغمى عليه جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء، وقال المزنى رحمه الله تعالى يصح صومه كما لو نوى الصوم ثم نام جميع النهار، والدليل على أن الصوم لا يصح أن الصوم نية وترك ثم لو انفرد الترك عن النية لم يصح فاذا انفردت النية عن الترك لم يصح، وأما النوم فان أبا سعيد الاصطخرى رحمه الله قال اذا نام جميع النهار لم يصح صومه كما لا يصح اذا أغمى عليه جميع النهار والمذهب انه يصح صومه اذا نام، والفرق بين النوم وبين الاغماء ان النائم ثابت العقل لأنه اذا نبه انتبه والمغمى عليه بخلافه، ولأن النائم كالمستيقظ‍ ولهذا ولايته ثابتة على ماله بخلاف المغمى عليه وان نوى الصوم ثم أغمى عليه فى بعض النهار فقد قال فى كتاب الظهار ومختصر البويطى اذا كان فى أوله مفيقا صح صومه، وقال فى كتاب الصوم اذا أفاق فى بعضه أجزأه وقال فى اختلاف أبو حنيفة وابن أبى ليلى: اذا كانت صائمة فأغمى عليها أو حاضت بطل صومها وخرج أبو العباس رحمه الله تعالى قولا آخر أنه ان كان مفيقا فى طرفى النهار صح صومه فمن أصحابنا من قال المسئلة على قول واحد أنه يعتبر أن يكون مفيقا فى أول النهار وتأول ما سواه من الأقوال على هذا، ومن أصحابنا من قال فيه أربعة أقوال، أحدهما أنه تعتبر الافاقة فى أوله كالنية تعتبر فى أوله. والقول الثانى منها أنه تعتبر الافاقة فى طرفيه كما أن فى الصلاة يعتبر القصد فى الطرفين فى الدخول والخروج ولا يعتبر فيما بينهما. والقول الثالث: أنه تعتبر الافاقة فى جميعه فاذا أغمى عليه فى بعضه لم يصح صومه لأنه معنى اذا طرأ أسقط‍ فرض الصلاة فأبطل الصوم كالحيض. والقول الرابع: أنه تعتبر الافاقة فى جزء منه ولا أعرف له وجها.

وان نوى الصوم ثم جن ففيه قولان: قال فى الجديد: يبطل الصوم لأنه عارض يسقط‍ فرض الصلاة فأبطل الصوم كالحيض، وقال فى القديم:

هو كالاغماء لأنه يزيل العقل والولاية فهو كالاغماء (٣). قال صاحب مغنى المحتاج: ويجب قضاء ما فات بالاغماء لأنه نوع مرض فاندرج تحت قول الله عز وجل ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (٤) وخالف الصلاة للمشقة فيها بتكررها وخالف الجنون لأنه أخف منه. ولو صب ماء فى حلق صائم وهو مغمى عليه لم يفطر لانتفاء الفعل والقصد منه (٥).


(١) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج‍ ٢ ص ٤٢٢ فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.
(٢) مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ‍ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج‍ ١ ص ٤٢٣ فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(٣) المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج‍ ١ ص ١٨٥ فى كتاب أسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الخلبى بمصر.
(٤) الآية رقم ٧٤ من سورة البقرة.
(٥) مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ‍ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج‍ ١ ص ٤٢٤ الطبعة السابقة.