للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو عمر بن عبد البر وقال سحنون يوما: انا لله ما أشقى المفتى والحاكم:

ثم قال ها أنا ذا يتعلم منى ما تضرب به الرقاب وتوطأ به الفروج وتؤخذ به الحقوق، أما كنت عن هذا غنيا.

قال أبو عمر وقال أبو عثمان الحداد:

القاضى أيسر مأثما وأقرب الى السلامة من الفقيه يريد المفتى، لان الفقيه من شأنه اصدار ما يرد عليه من ساعته بما حضره من القول، والقاضى شأنه الاناة والتثبت ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة انته.

وقال غيره: المفتى أقرب الى السلامة من القاضى، لانه لا يلزم بفتواه، وانما يخبر بها من استفتاه، فان شاء قبل قوله وان شاء تركه، وأما القاضى فأنه يلزم بقوله فيشترك هو والمفتى فى الاخبار عن الحكم، ويتميز القاضى بالالزام والقضاء، فهو من هذا الوجه خطره أشد.

ثم أورد ابن القيم أحاديث وآثارا فى خطر القضاء، ثم أخرى فى خطر الفتوى، ثم قال: ولكن خطر المفتى أعظم من جهة أخرى، فان فتواه شريعة عامة تتعلق بالمستفتى وغيره، وأما الحاكم فحكمه جزئى خاص لا يتعدى الى غير المحكوم عليه وله، فالمفتى يفتى حكما عاما كليا أن من فعل كذا ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، والقاضى يقضى قضاء معينا على شخص معين، فقضاؤه خاص ملزم وفتوى العالم عامة غير ملزمة فكلاهما أجره عظيم وخطره كبير.

[مذهب الحنابلة]

جاء فى كشاف القناع (١): كان السلف رحمهم الله تعالى يأبون الفتيا ويشددون فيها ويتدافعونها.

قال النووى روينا عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا الى هذا، وهذا الى هذا حتى ترجع الى الاول وفى رواية: ما منهم من يحدث بحديث الا ود أن أخاه كفاه اياه، ولا يستفتى عن شئ الا ود أن أخاه كفاه الفتيا، وأنكر الامام أحمد وغيره على من يهجم على الجواب لخبر، أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار، وقال أحمد لا ينبغى أن يجيب فى كل ما يستفتى فيه وقال، اذا هاب الرجل شيئا لا ينبغى أن يحمل على أن يقول.

مذهب الظاهرية: (٢)

ويرى ابن حزم أنه لا يحل لاحد أن يقلد أحدا لا حيا ولا ميتا وعلى كل أحد - ما يقدر


(١) كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج‍ ٤ ص ١٧٥ طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة ١٣١٩ هـ‍ الطبعة الأولى.
(٢) المحلى لابن حزم الظاهرى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة ١٣٥٠ هـ‍ ج‍ ١ ص ٦٦ وما بعدها الطبعة الأولى مسألة رقم ١٠٣.