للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيسبى ذراريهم ويغنم أموالهم ويقتل من لم يؤسر منهم وهو في الأسرى مخير في استعمال الأصلح للمسلمين من أربعة أمور: المن عليهم والفداء منهم والقتل إن لم يثخن فيهم والاسترقاق ومعاملة بمثل معاملتهم للمسلمين (١). وهذا بناء على أن آية سورة القتال وآيات التوبة والأنفال محكمة ولا تعارض بينها والجمع بينها جائز وقال النحاس فإذا كان الأسر جاز القتل والاسترقاق والمقاواة والسن على ما فيه الصلاح للمسلمين. وقد وقع كل ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا القول يروى عن أهل المدينة والشافعى وأبي عبيد وحكاه الطحاوى مذهبا عن أبي حنيفة (٢). (أرجع إلى مصطلح أسير من الموسوعة جـ ٩ ص ٢٩٣).

[الخصلة الثالثة]

أن يبذلوا مالا على المسالمة والموادعة فيجوز للأمير أن يقيله منهم ويوادعهم عليه وذلك على ضربين أحدهما أن يبذلوه لوقتهم ولا يجعلوه خراجا مستمرا فيكون هذا المال غنيمة لأنه مأخوذ بإيجاف الخيل والركاب فيقسم بين القائمين ويكون ذلك أمانا لهم في الانكفاف به عن قتالهم في هذا الوقت ولا يمنع من قتالهم فيما بعد. الضرب الثاني أن يبذلوه كل عام فيكون خراجا مستمرا ويستقر به الأمان والمأخوذ منهم في العام الأول غنيمة وفى الأعوام المستقبلة فئ ولا يجوز العودة إلى قتالهم ما داموا مقيمين على دفع هذا المال لاستقرار الموادعة بالأمان على النفس والمال فإن منعوا المال زالت الموادعة وارتفع الأمان وفجاز جهادهم وصاروا كغيرهم من أهل الحرب ولا يعد بذلهم مالا على أنه هدية عهدا فلا يمتنع قتالهم لأن العهد لا يكون إلا عن عقد.

[الخصلة الرابعة]

أن يسألوا الأمان والمهادنة فيجوز أن يقبل منهم ذلك ما كان في مصلحة المسلمين فقد هادن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشا عام الحديبية عشر سنين ولا يزاد على ذلك وإذا نقضوا العهد صاروا حربا يجاهدون من غير إيذان وذلك ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قريش حين نقضت عهدها بعد صلح الحديبية ولكن لا يجوز لنا عند ذلك قتل من يكون في أيدينا من رهائنهم ذكر ذلك المبارك بن سليمان نقلا عن أحمد بن حنبل (٣) وقد روى أن الروم نقضوا عهدهم زمن معاوية وفى يده رهائن منهم فلم يمس الرهائن من ذلك شر من المسلمين وقالوا وفاء بغدر خير من غدر بغدر. ولذلك كان للأمير عند ذلك إطلاق رهائنهم ما لم يقع حرب بيننا وبينهم وإلا استبقوا حتى لا يكونوا حربا علينا.

ومن أحكام هذه الإِمارة أنه يجوز لأمير الجيش في حصار العدو أن ينصب عليهم العرادات والمنجنيقات وقد نصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الطائف منجنيقا (٤). ويجوز له أن يفاجئهم في منازلهم ويحرقها عليهم وإذا رأى في قطع نخلهم وشجرهم صلاحا وضعفا لهم وظفر بهم جاز له ذلك. فقد قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كروم أهل الطائف وكان ذلك سببا لإِسلامهم ونقل


(١) الأحكام السلطانية لأبى يعلى والأحكام السلطانية للماوردى.
(٢) تفسير القرطبي جـ ١٦ ص ٢٢٨.
(٣) الأحكام لأبى يعلى ص ٢٢.
(٤) آلة لرمى الحجارة الكبيرة (منجنيق).