للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال قرض الشئ خير من صدفته وذلك لامتيازه عنها بأنه يصون ماء وجه من لم يعتد السؤال عن بذله لكل احد بخلاف الصدقة. وقد يعرض للقرض ما يجعله واجبا كما لو كان المقترض مضطرا وقد يعرض له ما يجعله حراما كما لو ظن المقرض ان آخذه سوف ينفقه فى معصيته وقد يعرض له ما يجعله مكروها وذلك اذا علم المقرض أو ظن ان المقترض سوف ينفقه فى مكروه. ويحرم على غير مضطر ان يقترض ان لم يرج وفاءه من سبب ظاهر ما لم يعلم المقرض بحاله، ويحرم على من أخفى غناه واظهر فاقته، ويؤخذ من ذلك ان المقرض لو علم حقيقة أمره لم يقرضه، ومن ثم لو علم المقترض أن ما يقرضه لنحو صلاحه أو علمه وهو فى الباطن بخلاف ذلك حرم عليه الاقتراض أيضا كما هو ظاهر (١).

[مذهب الحنابلة]

جاء فى المغنى والشرح الكبير: ان القرض جائز بالسنة والاجماع، أما السنة فقد روى رافع رضى الله تعالى عنه أن النبى صلّى الله وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت على النبى صلّى الله عليه وسلّم ابل الصدقة فأمر أبا رافع ان يقضى الرجل بكره فرجع اليه أبو رافع فقال يا رسول الله لم أجد فيها الا خيارا رباعيا، فقال اعطه فأن خير الناس احسنهم قضاء، رواه مسلم، وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين الا كان كصدقة مرة، وأجمع المسلمون على جواز القرض. والقرض مندوب اليه فى حق المقرض مباح للمقترض لما روينا من الأحاديث، ولما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه «وليس بمكروه فى حق المقرض قال أحمد رحمه الله تعالى: ليس القرض من المسألة - يعنى ليس بمكروه - وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستقرض بدليل حديث أبى رافع ولو كان مكروها لكان أبعد الناس منه، ولأنه انما يأخذه بعوضه فأشبه الشراء بدين فى ذمته.

قال ابن ابى موسى رحمه الله تعالى: لا احب أن يتحمل بأماتته من ليس عنده يعنى ما لا يقدر على وفائه. ومن اراد ان يستقرض فليعلم من يسأله القرض بحاله ولا يغره من نفسه الا أن يكون الشئ اليسير الذى لا يتعذر رد مثله قال احمد رحمه الله تعالى: اذا اقترض لغيره ولم يعلمه بحاله لم يعجبنى، وقال: ما احب أن يقترض بجاهه لاخوانه، قال القاضى يعنى اذا كان من يقترض له غير معروف بالوفاء لكونه تغريرا بمال المقرض واضرارا به أما اذا كان معروفا بالوفاء لم يكره لكونه اعانة له وتفريجا لكربته (٢).


(١) نهاية المحتاج الى معرفة الفاظ‍ المنهاج ل ٤ ص ٢١٥، ص ٢١٦ الطبعة السابقة
(٢) المغنى لابن قدامة المقدسى على الشرح الكبير ج ٤ ص ٣٥٢ الطبعة السابقة