للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنده ما سلم إليه فيه، لما أغفل عليه السلام بيان ذلك حتى يكلنا إلى غيره، حاشا لله من ذلك، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (١)، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (٢) أما السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله فهو تكليف ما لا يطيق وهذا باطل قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٣) فهو عقد على باطل فهو باطل، والسلم عندنا ليس بيعًا. ولو كان بيعًا لما حل لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك (٤) إلا لمن هو عنده حين السلم.

وأما السلم إلى من ليس عنده منه شئ، فروينا من طريق ابن أبي شيبة حدثنا ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن نافع قال: كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يبتاع شيئًا إلى أجل وليس عنده أصله لا يرى به بأسًا. وكرهه ابن المسيب وعكرمة وطاوس وابن سيرين. قال على: لا حجة في أحد دون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف والظاهر من قول عمر وابنه وابن عباس أنهم نهوا عن ذلك من أسلم في زرع بعينه أو في ثمر نخل بعينه (٥).

ثم قال ابن حزم: ومن سلَّم في شئ فضيع قبضه، أو اشتغل حتى فات وقته وعدم، فصاحب الحق مخير بين أن يصبر حتى يوجد، وبين أن يأخذ قيمته لو وجد في ذلك الوقت من أي شئ وتراضيا عليه؛ لقول الله تعالى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} (٦) فحرمة حق صاحب السلم إذا لم يقدر على عين حقه كحرمة مثلها (٧).

[مذهب الزيدية]

جاء في (التاج المذهب): أنه يشترط في السلم معرفة إمكانه للحلول أي يعرف أن المسلم إليه يتمكن من المسلم فيه عند حلول الأجل، ويكفى عند العقد أن يعلم أحدهما، أو يظن من جهة العادة أن الشئ المسلم فيه يمكن تحصيله عند حصول الأجل المضروب إذا لم يعرف ذلك عند العقد، كأن يسلم في آخر الشتاء في رطل عنب والأجل ثلاثة أيام لم يصح السلم، ولا بد أن يشترط لصحة المسلم فيه عدم وجوده في ملك المسلم إليه حال العقد، هذا هو المختار للمذهب لا ما فى (الأزهار). فلو عين من المقادير أو من المسلم فيه ما يقدر تعذره عادة عند التسليم، وعلى هذا فلا يصح أن يعين ذراع رجل معين ولا ميزانه ولا مكياله ولا نسيجه إذا لم يكن في الناحية مثله، ولا ثمرة شجرة معينة ولا فاكهة بستان معين ولا حنطة مزرعة معينة لجواز تعذر ذلك. أما إذا كان لمكيال المحلة أو لميزانها عيار موجود في الناحية فيصح أن يعين مكيال المحلة أو ميزانها، وكذا لو كانت المحلة بلدة كبيرة لا يجوز جلاء أهلها عنها في العادة كصنعاء اليمن وزبيد ونحوها فيصح (٨).


(١) سورة النجم، الآية: ٣، ٤.
(٢) سورة مريم، الآية: ٦٤.
(٣) سورة البقرة، الآية: ٢٨٦.
(٤) الحديث بهذا اللفظ في سنن النسائي، في كتاب البيوع، باب شرطان في بيع .. إلخ. وانظر: صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يقبض .. إلخ. وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك. .
(٥) المحلى: ٩/ ١١٤.
(٦) سورة البقرة الآية: ١٩٤.
(٧) المحلى: ٩/ ١١٥.
(٨) التاج المذهب: ٢/ ٥٠٤ - ٥٠٥.