للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء فى كتاب العقد المنظم للحكام للقاضى الفقيه بن سلمون الكنانى على هامش التبصرة (١): «يعتمد القاضى على علمه فى التجريح والتعديل اتفاقا، ولا يحكم بعلمه فى شئ من الأشياء كان مما أقر به أحد الخصمين عنده أم لا، إلا أن يشهد عليه بذلك شاهد عدل، قاله ابن القاسم وبه العمل.

وقال ابن الماجشون: يحكم عليه بما أقر به عنده وإن لم يشهد عليه، وهو قول عيسى وأصبغ وسحنون، وليس به عمل.

[مذهب الشافعية]

وفى مذهب الشافعية: يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه فى غير الحدود الخالصة لله تعالى، أما فيها فلا يقضى بعلمه لسقوطها بالشبهة ولأنه يندب فيا الستر.

جاء فى حواشى التحفة (٢): «والأظهر أن القاضى يقضى بعلمه، أى بظنه المؤكد الذى يجوز له الشهادة مستندا إليه، وأن استناده قبل ولايته بأن يدعى عليه مالا وقد رآه القاضى أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك.

ولا بد أن يصرح بمستنده ليقول: علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمى. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه ولا بد أن يكون ظاهر التقوى والورع، إلا فى حدود وتعازير الله تعالى. كحد زنا أو محاربة أو سرقة أو شرب لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها فى الجملة، أما حقوق الآدميين فيقضى فيها سواء المال والقود وحد القذف، ويقضى بعلمه فى الجرح والتعديل والتقويم قطعا.

[مذهب الحنابلة]

وفى مذهب الحنابلة: ليس للقاضى أن يقضى بعلمه مطلقا إلا فى الجرح والتعديل

جاء فى كشاف القناع (٣): «ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة فى مجلسه وهو محل نفوذ حكمه إذا سمعه معه شاهدان، لأن التهمة الموجودة فى الحكم بالعلم منتفية هنا، فإن لم يسمعه أى الإقرار أو البينة معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم أيضا فى رواية حرب، لأنه ليس حكما بمحض العلم ولا يضر رجوع المقر.

وقال القاضى: ليس له الحكم لأنه حكم بعلمه.

والأولى أن يحكم إذا سمعه معه شاهدان خروجا من الخلاف، فأما حكمه بعلمه فى غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها فلا يجوز لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع» متفق عليه.

فدل على إنه يقضى بما سمع لا بما علم، إلا فى الجرح والتعديل فيعمل بعلمه فى


(١) ج‍ ٢ ص ٢٠٠.
(٢) ج‍ ١٠ ص ١٤٨ وما بعدها.
(٣) ج‍ ٦ ص ٢٧٠.