للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حكم اعلان الصدقات]

ذكر القرطبى فى تفسير قول الله عز وجل:

«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ١}.

أن جمهور المفسرين ذهبوا الى أن هذه الآية فى صدقة التطوع لأن الاخفاء فيها أفضل من الاظهار وكذلك سائر العبادات الاخفاء أفضل فى تطوعها لانتفاء الرياء عنها وليس كذلك الواجبات.

قال الحسن: اظهار الزكاة أحسن واخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على انه يراد الله عز وجل به وحده قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر فى التطوع تفضل علانيتها بل يقال بسبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل فى الأشياء كلها قلت: مثل هذا لا يقال من وجهة الرأى وانما هو توقيف وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل صلاة المرء فى بيته الا المكتوبة، وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك.

وروى النسائى عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الذى يجهر بالقرآن كالذى يجهر بالصدقة والذى يسر بالقرآن كالذى يسر بالصدقة وفى الحديث: (صدقة السر تطفئ غضب الرب).

قال ابن العربى: «وليس فى تفضيل صدقة العلانية على السر، ولا تفضيل صدقة السر على العلانية حديث صحيح ولكنه الاجماع الثابت، فأما صدقة النفل فالقرآن ورد مصرحا بأنها فى السر أفضل منها فى الجهر، بيد أن علماءنا قالوا: ان هذا على الغالب مخرجه والتحقيق فيه أن الحال فى الصدقة تختلف بحال المعطى لها والمعطى اياها والناس الشاهدين لها. أما المعطى بكسر الطاء - فله فيها فائدة اظهار السنة وثواب القدوة قال القرطبى: هذا لمن قويت حاله وحسنت نيته وأمن على نفسه الرياء وأما من ضعف عن هذه المرتبة فالسر له أفضل.

وأما المعطى اياها فان السر له أسلم من احتقار الناس له أو نسبته الى أنه أخذها مع الغنى وترك التعفف.

وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطى لها بالرياء وعلى الآخذ لها بالاستغاء، ولهم فيها تحريك القلوب الى الصدقة لكن هذا اليوم قليل.

وقال يزيد بن حبيب: انما نزلت هذه الآية فى الصدقة على اليهود والنصارى وكان يأمر بقسم الزكاة فى السر وقال المهدوى: المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوع به فكان الاخفاء أفضل فى مدة النبى صلى الله عليه وسلم ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك فاستحسن العلماء اظهار الفرائض لئلا يظن بأحد المنع.

وقال ابن عطية: يشبه فى زماننا أن يحسن التستر بصدقة الفرض فقد كثر المانع لها.

وصار اخراجها عرضة للرياء (٢).

أما الفقهاء سار أكثرهم على التفريق بين الفرض والتطوع.


(١) الآية رقم ٢٧١ من سورة البقرة.
(٢) تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن لابن عبد الله محمد ابن أحمد الانصارى القرطبى ج‍ ٣ ص ٣٣٢ - ٣٣٣ طبع مطبعة دار الكتب المصرية سنة ١٣٩٦ هـ‍، سنة ١٩٣٦ م.