للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم أحرم كذا كل ذلك خشية الحكم بغير ما أنزل وحتى قال حذيفة انما يفتى الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن أو امرؤ لا يجد بدأ أو أحمق متكلف.

وفى الروضة البهية (١): أنه اذا تحققت فى المفتى الصفات التى يجب توافرها وجب على الناس الترافع اليه وقبول قوله والتزام حكمه لأنه مغصوب من الامام عليه السلام على العموم بقوله: أنظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا وعرف أحكامنا فأجعلوه قاضيا، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه وفى بعض الأخبار فلترضوا به حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم الله استخف وعلينا رد، والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله عز وجل فمن عدل عنه الى قضاة الجور كان عاصيا فاسقا لأن ذلك كبيرة عندنا ففى مقبول عمر بن حنظلة، من تحاكم الى طاغوت فحكم له فانما يأخذ سحتا، وان كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر بها ومثله كثيرا.

وفى طلعة الشمس (٢): أن من التابعين من كان يفتى ومنهم من كان يقبل ومنهم من يقرر وظهر عنهم الأمر بالاستفتاء والفتيا هذا هو العمدة فى جواز الفتيا قال وهو أظهر أمر فى الاجماع، وفى موضع آخر (٣): تحدث عن افتاء العامى بقول امامه فقال يجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم فى الأحكام بلا خلاف بين العلماء لأن ذلك ضرب من الأخبار ولا خلاف فى صحته عند الضبط‍ والاتقان ولكن الخلاف فى جواز افتائه بقول العالم الذى أخذ عنه تلك الفتيا وذلك بأن يسوق الكلام مساق الجزم بالحكم فيقول هذا حلال وهذا حرام مثل فقيل بجواز ذلك مطلقا واشترط‍ بعضهم فى هذا القول أن يكون المفتى انما يفتى بنص قول امامه وقيل لا يجوز مطلقا لأنه ليس أهلا للافتاء وقيل ان كان مطلعا على مأخذ امامه جاز له ذلك وصح له التخريج على مذهب امامه وقيل انما يجوز للمخرج الافتاء بتخريجه عند عدم المجتهد لا مع وجوده فى تلك الناحية اذ لا يجوز العمل بالأضعف مع امكان الأقوى.

والصحيح أن فتوى الضعيف بنص عبارة المفتى جائزة فى غيبة المفتى وفى حضرته عرف عدلها أو لم يعرف اذا كان واثقا بمن أخذ عنه لأن ذلك ليس بأشد من علمه فاذا جاز له أن يعمل بقول المفتى جاز له أن يفتى به اذ لا فرق بينهما أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتى فلا تصح الا من المطلع على المأخذ العارف بالأدلة ومواردها اذ لا يكون التخريج الا لمن يكون من أهل النظر فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم وهو مذهب الامام الكدمى وجمهور المشارقة والمغاربة حلافا لمن منع ذلك والله أعلم.

[انبناء الفتوى على الاستفتاء دون تحقيق الوقائع]

جاء فى حاشية ابن عابدين (٤): شرط‍ بعض الفقهاء أن يكون المفتى متيقظا احترازا عمن غلب عليه الغفلة والسهو وهذا شرط‍ لازم فى زماننا فان العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتى استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله


(١) انظر الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج‍ ١ ص ٢٣٧ وما بعدها طبع مطابع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر طبع الطبعة الأولى.
(٢) انظر شرح طلعة الشمس على الألفية المسماه بشمس الأصول لناظمها أبى محمد عبد الله بن حميد السالمى وقد ظهر هامشه بكتابين خليلين الأول بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد، والثانى الحج المقنعة فى أحكام صلاة الجعة لمؤلفه أبى محمد عبد الله بن محمد السالمى ج‍ ٢ ص ٢٩٤ وما بعدها طبع مطابع مطبعة الموسوعات بشارع باب اللوق بمصر.
(٣) المرجع السابق طلعة الشمس على الألفية المسماه بشمس الأصل أبى محمد عبد الله محمد حميد السالمى ج‍ ٢ ص ٣٦٥ وما بعدها طبع مطبعة الموسوعات بمصر.
(٤) انظر الدر المختار شرح تنوير الابصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج‍ ٤ ص ٤١ وما بعدها الطبعة السابقة.