للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال (١): ولا يلزم جواب السائل عن شئ لم يكن وقع لكن يستحب اجابته وكذلك لا يلزمه جواب ما لا يحتمله السائل ولا ما لا يقع فيه وله رد الفتيا ان خاف غائلتها أو كان فى البلد من يقوم مقامه والا لم يجز لكن ان كان الذى يقوم مقامه معروفا عند العامة مفتيا وهو جاهل تعين الجواب على العالم قال فى عيون المسائل الحكم يتعين بولايته حتى لا يمكنه رد محتكمين اليه ويمكنه رد من يستشهره وان كان محتملا شهادة فنادر أن لا يكون سواه.

وأما فى الحكم فلا ينوب البعض عن البعض ولا يقول لمن ارتفع اليه أمضى الى غيرى من الحكام. أهـ‍ ومن قوى عنده مذهب غير امامه أفتى به وأعلم السائل قال أحمد: اذا أتت المسألة ليس فيها أثر فأفت فيها بقول الشافعى ذكره النووى فى تهذيب الأسماء واللغات فى ترجمة الشافعى.

وفى الأحكام لابن حزم الظاهرى (٢): قال أبو محمد قال الله تعالى {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا ٣ كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} فبين الله عز وجل فى هذه الآية وجه التفقه كله وأنه ينقسم قسمين. أحدهما: يخص المرء فى نفسه وذلك مبين فى قول الله تبارك وتعالى:

«وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ٣» فهذا معناه تعليم أهل العلم لمن حكم ما يلزمه والثانى تفقه من أراد وجه الله تعالى بأن يكون منذرا لقومه قال الله تبارك وتعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ٤» ففرض على كل احد طلب ما يلزمه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه فى تعرف ما ألزمه الله تعالى اياه.

ثم قال ابن حزم (٥): وفرض على الامام أن يرتب أقواما لتعليم الجهال واذا انتدب لذلك من يقوم بالتعليم فقد سقط‍ عن باقيهم الا ما يلزمه أى فى خاصة نفسه وفرض على جميع المسلمين أن يكون فى كل قرية أو مدينة أو حصن من يحفظ‍ القرآن كله ويعلمه للناس ويقرؤه اياهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءته فصح أن النفار فرض على الجماعة كلها حتى يقوم بها بعضهم فيسقط‍ عن الباقين.

وفى تتمة الروض (٦) النضير: المفتى حاك عن الله تعالى حكمه الذى شرعه لعباده فلا يجوز له أن يخبر عن الله عز وجل حكمه ودينه الذى شرعه لعباده الا اذا كان خبره مطابقا لما شرعه والا كان قائلا على الله بلا علم قال الله تبارك وتعالى: «وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٧ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ قَلِيلٌ ٨ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» وجاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أفتى بغير علم كان اثمه على من أفتاه) وجاء أيضا فى الحديث (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) وقد كان السلف الصالح يهابون من التورط‍ فى الفتيا ويخافون من الوقوع فيها غاية الخوف حتى قال بعض السلف ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا خشية أن يقول الله له كذبت لم أحل كذا


(١) المرجع السابق ج‍ ٤ ص ٣٧٢ وما بعدها الطبعة السابقة.
(٢) الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ‍ أبى محمد على ابن حزم الاندلسى الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٨ وما بعدها طبع مطابع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٤٥ هـ‍.
(٣) الآية رقم ١٢٢ من سورة التوبة.
(٤) الآية رقم ٤٣ من سورة النحل.
(٥) الأحكام فى أصول الحكام لابن حزم الظاهرى ج‍ ٥ ص ١٢٢ وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٥ هـ‍.
(٦) انظر تتمة الروض النضير شروح مجموع الفقه الكبير تأليف القاضى شرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن على بن محمد بن سليمان بن صالح السباعى الجيمى الصنعانى ص ١٤٥ وما بعدها طبع مطابع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة ١٣٤٧ هـ‍.
(٧) الآية رقم ١١٦ من سورة النحل.
(٨) الآية رقم ١١٧ من سورة النحل.