للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واما السنة: فقد روى قتادة عن أنس أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين.

فسألوها من صنع هذا بك؟ وذكروا لها اسماء أشخاص. فلان. فلان. حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها انه هو. فأخذ اليهودى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر.

فأمر الرسول به أن يرض رأسه بالحجارة ..

وفى الأحاديث الصحيحة المتواترة معنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاقرار بالزنا من ماعز ومن الغامدية واقام عليها الحد بمقتضاه .. وفى قصة العسيف أن ابنى هذا كان عسيفا على هذا فزنى بأمراته. وانى اخبرت أن على ابنى الرجم فأفتديت منه بمائة شاة ووليدة .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. الوليدة والغنم رد عليك. وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام .. واغد يا أنيس على امرأة هذا فان اعترفت فأرجمها. فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت … فقتل النبى صلّى الله عليه وسلم بالاقرار. ورجم به. ورد به المال ممن كان بيده الى صاحبه ..

واما الاجماع. فقد أجمعت الامة من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا على العمل بالاقرار واعتباره حجة على المقر يعامل بها ويؤاخذ بمقتضاها. وجرى المسلمون على ذلك فى كل المعاملات. والاقضية من غير نكير … واما القياس. فلانه قد ثبت بالدليل وجوب الأخذ بالشهادة وبناء الحكم عليها مع احتمال الكذب فيها. لرجحان جانب الصدق على جانب الكذب وأفادتها العلم بالمشهود به لدى القاضى - واحتمال الصدق فى الاقرار أقوى من الشهادة والبعد عن الريبة فيه أظهر منها لأن الانسان لا يشهد على نفسه الا وهو صادق عادة - فلأن يجب الاخذ به والحكم بمقتضاه اولى

واما المعقول: فلأن الاقرار. وهو خبر كان بحسب الاصل مترددا بين الصدق والكذب لكن النظرة المعقولة رجحت جانب الصدق فيه على جانب الكذب لوجود الداعى الى الصدق والصارف عن الكذب وهو عقل المقر ودينه. اذ هما يحملانه على الصدق ويزجرانه عن الكذب .. وقد تحمله نفسه الامارة بالسوء على الكذب فى حق غيره حين يكون الكلام متعلقا بالغير. أما فى حق نفسه فلا تحمله هذه النفس على الكذب الضار بالنفس وبالمال فصار عقله ودينه وطبعه دواعى الى الصدق فى الاقرار زواجر عن الكذب فيه - فكان الصدق ظاهرا فيما أقر به على نفسه.

فوجب قبول الاقرار منه. والعمل به.

[الاقرار حجة بنفسه]

والاقرار حجة ملزمة بنفسها لا يحتاج الالزام بالمقر به الى القضاء والحكم. واطلاق اسم القضاء على ما بنى على الاقرار مجاز.

فان الحق يثبت بالاقرار بدون حكم. وانما يأمر القاضى المقر بدفع ما لزمه باقراره وليس لزوم الحق بالقضاء. وجعل الاقرار طريقا من طرق القضاء انما هو بحسب الظاهر.

غير أن هناك مسألة يتوقف نفاذ الاقرار فيها على قضاء القاضى وحكمه. ذكرها فى الدر المختار وتكملة حاشية ابن عابدين عليه