للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود؛ وقد وجد قليلًا عقب سببه فكان نفاسًا كالكثير فيثبت حكم النفاس من وجوب الغسل ونحوه ولو بقطرة؛ وعنه أقله يوم؛ فإن انقطع الدم في مدته أي في الأربعين يوم فهى طاهر لانقطاع دم النفاس كما لو انقطع دم الحائض في عادتها. ويكره وطؤها قبل الأربعين بعد التطهير، قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبى العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال: لا تقربينى. ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء فإن عاد الدم بعد انقطاعه في الأربعين يومًا فمشكوك في كونه نفاسًا أو فسادًا؛ لأنه تعارض فيه الأمارات كما لو لم تر الدم مع الولادة ثم رأته في المدة أي في الأربعين فمشكوك فيه فتصوم وتصلى أي تتعبد؛ لأنها واجبة في ذمتها بيقين وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه، وفى غسلها لكل صلاة روايتان قال في تصحيح الفروع: الصواب عدم الوجوب.

[مذهب الظاهرية]

جاء في (المحلى) (١): انقطاع دم الحيض في مدة الحيض ومن جملته دم النفاس يوجب الغسل لجميع الجسد والرأس وهذا إجماع متيقن. وإذا رأت الحائض الطهر لم تحل لها الصلاة ولا الطواف بالكعبة حتى تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء، أو تتيمم إن عدمت الماء أو كانت مريضة عليها في الغسل حرج. وإن أصبحت صائمة ولم تغتسل فاغتسلت أو تيممت إن كانت من أهل التيمم - بمقدار ما تدخل في صلاة الصبح صح صيامها، وهذا كله إجماع متيقن، ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا أدبرت الحيضة فتطهرى" (٢) ولقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} (٣) وقد أخبر عليه السلام أن الأرض طهور إذا لم نجد الماء فوجب التيمم للحائض عند عدم الماء، وفى تأخيرها الغسل والتيمم عن هذا المقدار خلاف. وأما وطء زوجها أو سيدها لها إذا رأت الطهر فلا يحل إلا بأن تغسل جميع رأسها وجسدها بالماء أو بأن تتيمم إن كانت من أهل التيمم، فإن لم تفعل فبأن تتوضأ وضوء الصلاة أو تتيمم إن كانت من أهل التيمم، فإن لم تفعل فبأن تغسل فرجها بالماء ولابدّ أي هذه الوجوه الأربعة، فإن فعلت حل له وطؤها وبرهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (٤). فقوله: حتى يطهرن معناه حتى يحصل لهن الطهر الذي هو عدم الحيض، وقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} هو صفة فعلهن، وكل ما ذكرنا يسمى في الشريعة وفى اللغة تطهرًا وطهورًا وطهرًا فأى ذلك فعلت فقد تطهرت. ولم يختلف أحد في أن دم النفاس إن كان دفعة ثم انقطع الدم ولم يعاودها فإنها تصوم وتصلى ويأتيها زوجها. ثم قال ابن حزم: إن رأت الجارية الدم أول ما تراه أسود فهو دم حيض كما قدمنا تدع الصلاة والصوم ولا يطؤها بعلها أو سيدها، فإن تلون أو انقطع إلى سبعة عشر يومًا فأقل فهو طهر صحيح تغتسل وتصلى


(١) المحلى: ٢/ ٢٥.
(٢) ورد في السنن الكبرى للنسائى بلفظ فإذ أدبرت الحيضة فاغتسلى، وكذا في غيره من الكتب، انظر: السنن الكبرى باب الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة.
(٣)، (٤) سورة البقرة: آية: ٢٢٢.