للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء فيه أيضًا: وإذا جلس الإمام على المنبر انقطع التنفل، لما روى عن ثعلية بن أبى مالك قال: قعود الإمام يقطع السبحة (١)، وكلامه يقطع الكلام، وقد كان الصحابة - رضى الله عنهم - لا يزالون يتحدثون يوم الجمعة وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جالس على المنبر، فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضى الخطبتين، فإذا أقيمت الصلاة ونزل عمر تكلموا (٢). ولأن النفل في هذه الحالة يمنع الاستماع إلى ابتداء الخطبة فكُرِه (٣).

[مذهب الحنابلة]

جاء في (كشاف القناع): إذا ذكر الإمام فائتة وهو في صلاة الحاضرة أنه يقطع الحاضرة نصًا مع سعة الوقت؛ لئلا يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل واستثنى جمع الجمعة فلا يقطعها الإمام إذا ذكر الفائتة في أثنائها إن ضاق الوقت بأن لم يتسع لسوى الحاضرة أتمها الإمام وغيره، وإن اتسع للفائتة ثم الحاضرة فقط قطعها أيضًا غير الإمام لعدم صحة النفل إذن.

وإن ذكر الإمام الفائتة قبل إحرامه بالجمعة استناب فيها وقضى الفائتة، فإن أدرك الجمعة مع نائبه وإلا صلى ظهرًا (٤).

وجاء فيه أيضًا: وإن انقطع الصف عن يسار الإمام فقال ابن حامد: إن كان الانقطاع بعد مقام الثلاثة رجال بطلت صلاة المنقطعين عن الصف يسار الإمام (٥).

ومن المسائل التي تكلم عنها الحنابلة حكم انقطاع العذر المبيح للجمع فجاء في (كشاف القناع): أن من شروط الأعذار المبيحة للجمع أن يكون العذر المبيح للجمع من سفر أو مرض ونحوه موجودًا عند افتتاح الصلاتين المجموعتين وعند سلام الأولى؛ لأن افتتاح الأولى موضع النية، وفراغها وافتتاح الثانية موضع الجمع، فلو أحرم ناوى الجمع بالأولى من المجموعتين مع وجود مطر ثم انقطع المطر ولم يعد، فإن حصل وَحلٌ لم يبطل الجمع؛ لأن الوحل من الأعذار المبيحة وهو ناشئ عن المطر فأشبه ما لو لم ينقطع المطر، وإن لم يحصل وَحْلٌ بطل الجمع لزوال العذر المبيح له فيؤخر الثانية حتى يدخل وقتها.

وإن شرع في الجمع لأجل السفر فزال سفره بوصول إلى وطنه، أو نيته الإقامة ووُجد وحل أو مرض أو مطر بطل الجمع لزوال مبيحه (٦).

هذا، وجاء في (المغنى): المرور بين يدى المصلى ينقص الصلاة ولا يقطعها فقد قال أحمد: يضع من صلاته ولكن لا يقطعها. وروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن ممر الرجل يضع نصف الصلاة (٧). وكان عبد الله إذا مَرَّ بين يديه رجل التزمه حتى يرده (٨).

قال القاضي: ينبغى أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله، أما إذا رد فلم يمكنه الرد فصلاته تامة؛ لأنه لم يوجد منه ما. ينقص الصلاة فلا يؤثر فيها ذنب غيره (٩).


(١) السُبْحَة: هي ما يصليه المرء نافلة من الصلوات ومن ذلك سبحة الضحى. انظر: عون المعبود شرح سنن أبى داود ٢/ ٧١، ط دار الكتب العلمية.
(٢) الحديث بنحوه في موطأ مالك، كتاب النداء للصلاة، باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب.
(٣) المهذب ١/ ١١٥.
(٤) كشاف القناع ١/ ١٨٠.
(٥) المرجع السابق: ١/ ٣١٥.
(٦) السابق: ١/ ٣٣٣ - ٣٣٤.
(٧) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الصلوات: باب في الرجل يمر بين يدي الرجل، يرده أم لا، بلفظ: إنه ليقطع نصف صلاة المرء مرور المرء بين يديه".
(٨) مصنف ابن أبي شيبة، الموضع السابق.
(٩) المغني والشرح الكبير ٢/ ٧٧.