وقال الحنابلة: لا تجوز شهادة غير المسلمين ولو كانوا من أهل الذمة مطلقا لا على المسلمين ولا على بعضهم سواء اتحدت ملتهم أو اختلفت.
فلا تقبل شهادة النصرانى على نصرانى مثله ولا على أهل الأديان الأخرى وكذلك العكس، لأنه يشترط فى الشاهد أن يكون مسلما عدلا بالنصوص الواردة فى الشهادة من الكتاب والسنة وباتفاق أهل العلم. ولأن الاتفاق على عدم قبول شهادة المسلم الفاسق لفقدانه العدالة والكافر شر من الفاسق وهو الى ذلك كله غير مأمون.
واستثنوا من هذا المنع حالة الوصية فى السفر.
فأجازوا شهادة أهل الكتاب على الوصية فى السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم وجود مسلم يشهد على الوصية. فتقبل شهادتهم فى هذه الحالة فقط ولو لم تكن لهم ذمة لقول الله تبارك وتعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ» فان الضمير فى قوله «منكم» للمؤمنين المخاطبين بالآية وكذا فى قوله «من غيركم».
فيكون المعنى ان الشهادة على الوصية فى السفر حين الموت «اثنان ذوا عدل من المسلمين أو اثنان من غير المسلمين».
فدلت الآية بظاهرها على جواز شهادة غير المسلمين على وصية المسلم فى السفر اذا لم يجد من يشهده من المسلمين.
والآية محكمة وحكمها باق.
والقول بالنسخ لا دليل عليه والنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا يكون الا عند التعارض وعدم امكان الجمع بين الدليلين.
والجمع بين الدليلين اذا أمكن خير من الغاء احدهما فتحمل هذه الآية على هذه الحالة فقط - وهى حالة ضرورة والضرورة لها حكمها.
وقد قال بذلك ثلاثة من الصحابة الذين شهدوا بالتنزيل وعاصروه وهم أبو موسى الأشعرى وعبد الله بن قيس وعبد الله ابن عباس.
وقضى أبو موسى الأشعرى بذلك فى حادثة مماثلة لما نزلت فيه الاية بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.