للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رابعا: لا يختص الإجماع بالصحابة عند

الجمهور:

إجماع الصحابة حجة بلا خلاف، ولا يعتد العلماء بما يروى عن بعض المبتدعة من أنه ليس بحجة.

والخلاف إنما هو فى اختصاص حجية الإجماع بإجماع الصحابة.

فقد ذهب إلى ذلك الظاهرية (١)، وأحمد ابن حنبل فى إحدى الروايتين عنه (٢).

قال الظاهرية: إن الإجماع هو إجماع الصحابة فقط‍ وليس لمن بعدهم أن يكون إجماعه حجة، لأن الإجماع إنما يكون عن توقيف، والصحابة هم الذين شهدوا التوقيف (٣)، أى الإعلام الشخصى.

وفى رواية لأبى داود عن أحمد بن حنبل: الإجماع أن تنبع ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، وهو فى التابعين مخير.

وقد نقل عن أبى حنيفة مثل ذلك اذ يقول: اذا أجمعت الصحابة على شئ سلمنا، وإذا أجمع التابعون زاحمناهم (٤).

وجمهور علماء المذاهب يخالفونهم فى ذلك، ويرون أن الإجماع ليس خاصا بالصحابة رضوان الله عليهم بل هو فى كل عصر.

ِِقرر ذلك الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإباضية (٥).

والحجة التى تذكر للقائلين بأن الإجماع هو إجماع الصحابة فقط‍ تتلخص فى أن الإجماع إنما صار حجة بصفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والصحابة هم الأصول فى ذلك، لأنهم كانوا هم المخاطبين بقوله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ».

وبقوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ» دون غيرهم، إذ الخطاب يتناول الموجود دون المعدوم، وكذلك قوله تعالى: «وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجتمع أمتى على الضلالة» خاص بالصحابة الموجودين فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، إذ هم كل المؤمنين، وكل الأمة، لأن من لم يوجد بعد لا يكون موصوفا بالإيمان، فلا يكون من الأمة، ولأنه لا بد فى الإجماع من اتفاق الكل، والعلم باتفاق الكل لا يحصل إلا عند مشاهدة الكل، مع العلم بأنه ليس هناك


(١) الأمدى فى الأحكام ص ٣٢٨ ج‍ ١ وابن حزم فى كتابه الأحكام ص ١٤٩ ج‍ ٤.
(٢) الآمدى فى الموضع نفسه.
(٣) إرشاد الفحول للشوكانى ص ٧٧.
(٤) المرجع السابق.
(٥) راجع فى مذهب الحنفية ص ٩٦٠ ج‍ ٣ من كشف الأسرار للبزدوى وشرحه لعبد العزيز البخارى ص ١٠٦ ج‍ ٢ من شرحى المنار، وفى مذهب المالكية ص ٣٤ ج‍ ٢ من شرح مختصر ابن الحاجب، ص ١١١ ج‍ ١ من الذخيرة.
وفى مذهب الشافعية ص ١٨٥ ج‍ ١ من المستصفى للغزالى وص ٣٢٨ ج‍ ١ من الأحكام للآمدى.
وفى مذهب الحنابلة ص ٣٧٢ ج‍ ١ من روضة الناظر وفى مذهب الزيدية ص ٥٦٥ من هداية العقول ج‍ ١.
وفى مذهب الإباضية ص ٨٢ ج‍ ٢ من طلعة الشمس.