للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوقوع لجواز وقوعه من المكلف في الجملة وإن امتنع لغيره من علم أو غيره فهو في غير محل النزاع، وعن الثاني بأنه لم يكلف إلا بتصديقه وهو ممكن في نفسه متصور وقوعه إلا أنه ممن علم الله تعالى أتهم لا يصدقونه كعلمه بالعاصين. هذا الكلام في التكليف بما لا يطاق، وأما التكليف بما علم الله تعالى أنه لا يقع فالإِجماع منعقد على صحته ووقوعه (١).

[امتناع المنهى عنه أو المأمور به]

أصول الحنفية: جاء في فواتح الرحموت أن المنهى عنه لا يكون ممتنعا مطلقا أو عن المكلف عندنا خلافا للأئمة الثلاثة مالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى. ودليلنا أن المنهى عنه مقدور لأن المنهى تكليف بالكف، والمكلف به مقدور، فالكف مقدور، والقدرة على أحد الضدين قدرة على الآخر، فالفعل المنهى عنه مقدور، وأيضا: النهى طلب الكف باختيار المكلف، فيكون المكفوف عنه مقدورا ولا شئ من الممتنع بمقدور، وهذا ضرورى، بالمنهى عنه ليس ممتنعا، وأورد أولا أنه ممتنع بهذا المنع، وطلب الكف عنه ليس بمحال، وإنما المحال طلب الكف عن الممتنع بغير هذا المنع كتحصيل الحاصل بهذا الحصول فإنه ليس ممتنعا، وإنما الممتنع تحصيل الحاصل بحصول مغاير لهذا الحصول، فالفعل كان مقدورا قبل ورود النهى، وإنما لم يبق مقدورا بالنهى فلا استحالة، كذا في شرع المختصر، ولا يخفى جوابه، فإن الكلام في الممتنع لذاته ولا يصح فيه أنه امتنع بهذا المنع كيف ولو امتنع بهذا المنع ففعله واجب أو ممكن، وعند ورود النهى صار ممتنعا وهذا انقلاب محال بل المحال محال دائما. أقول: يلزم أن يكون النهى سلبا للقدرة لأن الشئ قد استمال بالنهى وهو غير مقدور وفيه انقلاب حقيقة النهى؛ لأنه امتناع عنه بالاختيار بالضرورة، والآن يصير امتناعا بالضرورة، هذا خلف، وبعبارة أخرى: حقيقة النهى طلب الكف بالاختيار، والممتنع سواء كان ممتنعا بهذا المنع أو غيره لا يصح كفه بالاختيار، فلا يكون منهيا عنه. فإن قلت لعل مقصود المورد أن الحقيقة الصلاتية لها شروط وأركان أبانها الشرع الشريف بالأوامر والنواهى، فإذا نهى عن الصلاة قبل الوقت علم أن الوقت شرط، وكذا إذ نهى عنها من غير طهارة علم أن الطهارة شرط، فالشرطية إنما فهمت بهذا النهى، وجاء الامتناع به، فتعلق هذا النهى غير ممتنع. قلت لا شك في أن الشئ بدون الركن والمشروط بدون الشرط ممتنع لذاته البتة، فلا يمكن تعلق النهى لما بينا. وقد ظهر من هذا أنه لا يصح إبانة الشرائط بالنهى أصلا، بل النهى يقتضى أن يوجد المنهى عنه بدونها، والشرطية تنافيه. نعم يستبان بالأوامر الشرائط عند إرادة الفعل، فإن الفعل بعد تمام شرائطه لا يخرج عن إمكانه الذاتى. فإن قلت الأركان المحسوسة ممكنة بالضرورة وإنما امتنع في نظر الشارع بالنهى


(١) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكانى جـ ١ ص ٨، ص ٩ في كتاب على هامشه شرح العلامة الشيخ أحمد بن قاسم العبادي الشافعي على شرح الإمام جلال الدين محمد أحمد المحلى على الورقات في الأصول لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجوينى. طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده. بمصر سنة ١٣٤٩ هـ.