للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من القواعد التى ذكرها الفقهاء أنه لا ينسب الى ساكت قوله وقد جاء ذكر هذه القاعدة فى كثير من كتب الحنفية ومنها الأشباه والنظائر لابن نجيم إذ جاءت تحت عنوان القاعدة الثانية عشرة ومقتضاها أن السكوت لا يعد إجازة قولية كما أنه لا يعد فعلا من الأفعال وذلك كله لا ينفى أنه قد يفيد الرضا وإن لم يكن قولا أو فعلا ومن الظاهر أن إفادته الرضا مردها الى القرائن التى تحيط‍ به.

وقد جاء فى الأشباه والنظائر: أن الوكالة لا تثبت بالسكوت فإذا رأى أجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينههه لم يكن سكوته توكيلا خلافا لابن أبى ليلى وأن السكوت لا يعد إذنا للصبى والمعتوه بالتصرف إذا كان من القاضى وحدث السكوت منه وقت تصرفه وكذلك لا يعد سكوت المرتهن إذنا للراهن ببيع العين المرهونة ولا يكون أذنا بإتلاف المال إذا ما رأى غيره يتلف ماله فسكت - وإذا كانت الاجازة اللاحقة كالاذن السابق فما لا يثبت به الاذن لا تثبت به الإجازة وبناء على ذلك لا يكون السكوت إجازة فيما ذكرنا من المسائل ولا فيما يشبهها ويترتب على ذلك أن السكوت لا يعد إجازة كما لا يعد إذنا.

غير أنهم قد استثنوا من هذا المبدأ مسائل عديدة ذكرها صاحب الأشباه والحموى بلغت الأربعة والأربعين مسألة ومن هذه المسائل ما عد السكوت فيه رضا وإجازة كسكوت البكر البالغة بعد تزويج وليها إياها وسكوتها بعد قبض وليها مهرها وسكوتها إذا بلغت وقد زوجها غير أبيها وجدها وسكوت الواهب عند قبض الموهوب له العين الموهوبة فى حضرته. وسكوت الموقوف عليه بعد الوقف عليه وسكوت الولى إذا رأى الصبى المميز يبيع ويشترى وسكوت الإنسان عند رؤيته غيره يشق زقه إلى غير ذلك من المسائل (١) التى ذكرها - وفى جامع الفصولين أن سكوت المالك الحاضر وقت بيع الفضولى لا يعد إجازة وذكر الخير الرملي أن صاحب المحيط‍ ذكر أن سكوته عند البيع وقبض المشترى المبيع يعد رضا وإجازة قال صاحب جامع الفصولين أن مرد الحكم فى ذلك الى القرأئن إذ العبرة فى الإجازة إنما هو تحقق الرضا بالتصرف بأي دليل يدل عليه هذا عند الحنفية وتفصيل القول فى ذلك فى جميع المذاهب يرجع فيه إلى مصطلح (سكوت) (٢).

الفرق بين الإجازة والإذن

الإجازة كما بينا إما تنفيذ لتصرف موقوف ومن ثم يترتب عليها إستتباع هذا التصرف لأثاره المترتبة عليه أو إمضاء العقد غير اللازم وإبرامه ومن ثم يترتب عليه سقوط‍ الحق فى فسخه ممن أجازه كما فى البيع بشرط‍ الخيار يجيزه من شرط‍ له الخيار وكما فى شراء عين قبل رؤيتها يجيزه المشترى بعد رؤيتها وعلى ذلك لا تكون إلا تالية للتصرف اما الإذن فيكون سابقا عليه ولذا كان وكالة. أو فى معناها ومن ثم يكون


(١) الأشباه والنظائر الفن الاول ص ١٨٤ طبعة اسلامبول.
(٢) ابن عابدين ج‍ ٢ ص ٣٨٣ طبعة بولاق ١٣٢٣.