للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: انفلات النار:

جاء في (المحلى): من أوقد نارًا ليصطلى أو ليطبخ شيئًا أو أوقد سراجا ثم نام، فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعته وناسًا فلا شئ عليه في ذلك أصلًا لما روى عن يحيى بن يحيى الغسانى، قال: أحرق رجل تبنًا في مَراح له فخرجت شرارة من نار فأحرقت شيئًا لجاره فكتبتُ فيه إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب إليَّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "العجماء جرحها جبار" وأرى أن النار جبار، فقد صدق - رضي الله عنه -: النار عجماء فهى جبار، وقد ورد عن أبى هريرة مرفوعًا: "النار جبار" (١) وهذا خبر صحيح تقوم به الحجة. ولا يحل خلافه، فوجب بهذا أن كل ما تلف بالنار فهو هدر إلا نارًا اتفق الجميع على تضمين طارحها، وليس ذلك إلا ما تعمد الإنسان طرحها للإفساد والإتلاف، فهذا مباشر متعد فعليه القود فيما عمد قتله، والدية على العاقلة في الخطأ، وأما نار أوقدها غير متعد فهى جبار كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا عموم لا يجوز تخصيصه إلا ما خصه نص أو إجماع، ولا إجماع إلا فيما ذكرنا من القصد (٢).

[مذهب الزيدية]

أولًا: انفلات الصيد:

جاء في (التاج المذهب): أنه إن فلت الصيد من يد الصائد لم يخرج عن ملكه كالآبق، وما وقع من الصيد في الشبكة والحظيرة وفلت قبل لبثه قدرًا يمكن إمساكه فهو لمن أخذه (٣)، ومن فتح قفصًا لطير أو باب إصطيل. فدخل السبع أو الذئب أو الهر فأتلفها سواء كانت مربوطة أم لا ضمن الفاتح ما تلف منهاء وكذا إذا هيجها بعد الفتح، وإن هيجها غيره ضمن المهيج لا الفاتح، فإن فتح ولم يهيجها، فإن خرجت بنفسها عقب شعورها بالفتح سواء كانت نفورًا أم لا ضمن الفاتح، وإن لم تخرج عقب شعورها بالفتح ثم خرجت بعد ساعة وتلفت فلا ضمان على الفاتح كما لا ضمان عليه إذا دخل بعد الفتح سارق فأخذها؛ لأن الفاتح فاعلُ سبب فلا ضمان عليه. والسارق مباشر فيضمن (٤).

ثانيًا: انفلات الدابة:

جاء في (التاج المذهب): أنه يضمن الشخص جناية حيوان وضعه واضع في طريق ونحوه كعقرب وكلب وحيوان وغيره، فما جناه ذلك الحيوان في ذلك الموضع. فإن كان غير مربوط، ولم ينتقل ضمن جنايته ما بقى في مكانه الذي وضع فيه لا إذا جنى بعد انتقاله فلا ضمان، وإن كان مربوطًا بجنايته في موضعه. وبعد انتقاله مضمونة على واضعه (٥).

ثالثًا: انفلات النار:

جاء في (شرح الأزهار): أنه لو تعدت النار موضع تأجيجها فأهلكت أحدًا في غير موضع التعدى، فإنه مضمون على واضعها أينما بلفت، بخلاف ما إذا وضعها فى ملكه فحملتها الريح إلى موضع فأهلكت فيه، فإنه لا يضمنه؛ لأنها انتقلت عن وضعه وبطل حكمه، ذكر ذلك القاسم، قال أبو طالب: وإذا كان متعديا بوضعها ضمن ما تولد منها ولو بهبوب الريح (٦).


(١) سنن أبي داود، كتاب الديات، باب في النار تعدي وسنن ابن ماجه، كتاب الديات، باب الجبار.
(٢) المحلى: ١١/ ٢٠.
(٣) التاج المذهب: ٣/ ٤٥٩.
(٤) المرجع السابق:٤/ ٣١٣، وما بعدها.
(٥) السابق: ٤/ ٣٠١ وما بعدها.
(٦) شرح الأزهار: ٤/ ٤٢١. وما بعدها.