للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأحدهما بينة حكم بينهما، وإن لم يكن لهما بينة تحالفا وبه قال شريح وأبو حنيفة والشافعى وهى رواية عن مالك، وله رواية أخرى: القول قول المشترى مع يمينه، وبه قال أبو ثور وزفر؛ لأن البائع يدعى عشرة ينكرها المشترى والقول قول المنكر، وقال الشعبى: القول قول البائع أو يترادان البيع وحكاه ابن المنذر عن أحمد، لما روى ابن مسعود رضى الله عنهما عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع" (١) والمشهور في المذهب الأول ويحتمل أن يكون معنى القولين واحدًا وأن القول قول البائع مع يمينه فإذا حلف فرضى المشترى بذلك أخذ به، وإن أبى حلف أيضًا وفسخ البيع؛ لأن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا" ولأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فإن البائع يدعى عقدًا بعشرين ينكره المشترى والمشترى يدعى عقدًا بعشرة ينكره البائع والعقد بعشرة غير العقد بعشرين فشرعت اليمين في حقهما، وهذا الجواب عما ذكروه (٢).

وجاء في (كشاف القناع): وإن اختلف المتعاقدان في الأجل بأن قال المشترى: اشتريته بدينار مؤجل وأنكره البائع فقوله. . . أو اختلفا في قدر الأجل والرهن فقول منكر الزائد سوى أجل في سلم فقول مسلم إليه، أو اختلفا في شرط صحيح أو فاسد يبطل العقد أوّلا، يبطله بأن ادعى أحدهما اشتراطه وأنكره الآخر فقول المنكر. . . (٣).

[مذهب الظاهرية]

جاء في (المحلى): ولا يقبل إنكار أحد عن أحد ولا إقرار أحد على أحد. ولا بد من قيام البينة عند الحاكم على إقرار المقر نفسه أو إنكاره، برهان ذلك قوله الله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} (٤) وقد صح إجماع أهل الإسلام على أن لا يصدق أحد على غيره إلا على حكم الشهادة فقط (٥).

وجاء أيضًا: وإن قال: ابتعت منه داره بمائة دينار، فأنكر الآخر البيع، وقال: قد أقر لي بمائة دينار وادعى ابتياع دارى. فإنهم لا يقضون عليه بشئ أصلًا. وهذا تناقض ظاهر (٦).

وجاء في موضع آخر: وهكذا القول في كل ما اختلف فيه المتبايعان مثل أن يقول أحدهما: ابتعته بنقد، ويقول الآخر: بل بنسيئة، أو قال أحدهما: بكذا أو كذا، وقال الآخر: بل أكثر أو قال أحدهما: بعرض، وقال الآخر: بعرض آخر أو بعين، أو قال أحدهما: بدنانير، وقال الآخر: بل بدراهم، أو قال أحدهما: بصفة كذا، وذكر ما يبطل به البيع، وقال الآخر: بل بيعًا صحيحًا. فإن كان في قول أحدهما إقرار للآخر بزيادة إقرار صحيح ألزم ما أقر به ولا بد، فإن كانت السلعة بيد البائع والثمن بيد المشترى فهنا كل واحد


(١) سنن أبي داود كتاب البيوع، باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم. وسنن النسائي، كتاب البيوع، باب اختلاف المتبايعين في الثمن، سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب البيعان يختلفان.
(٢) الشرح الكبير: ٤/ ١١٦
(٣) كشف القناع: ٢/ ٦٧.
(٤) سورة الأنعام، الآية، ١٦٤.
(٥) المحلى: ٩/ ٣٦٦.
(٦) السابق: ٨/ ٢٥١.