للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لنا مع ظاهر الآية يريد قوله تعالى: «فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» (١) بأن شاة تجزئ فى الهدى الواجب فى التمتع والإحصار والتطوع، وقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر شياة ببعير، فصح أن الشاة بإزاء عشر البعير جملة، وأن البقرة كالبعير فى جواز الاشتراك فيهما فى الهدى الواجب فيما ذكرنا، فصح أن البعير والبقرة تجزئان عما يجزئ عنه عشر شياه، وعشر شياه تجزئ عن عشرة، والبعير والبقرة كل واحد منهما عن عشرة وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب واسحاق ابن راهوية، وبه نقول لما ذكرنا (٢).

[قد يجزئ ما ليس بواجب عن الواجب]

يقول شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى المالكى: إن إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب هو خلاف الأصل، فلو صلى الإنسان ألف ركعة ما أجزأت عن صلاة الصبح، ودفع ألف دينار صدقة لا يجزئ عن الزكاة، وغير ذلك.

ثم ذكر سبع مسائل مستثناة من هذا الأصل فى مذهب المالكية، زادها بعضهم إلى اثنتى عشرة مسألة.

منها: إذا سلم المصلى من ركعتين ساهيا أنه فى رباعية ثم قام فصلى ركعتين بنية النافلة هل تجزئه هاتان الركعتان عن ركعتى الفرض؟ قولان: مشهورهما عدم الإجزاء ومنها: إذا نسى طواف الإفاضة وهو ركن عندهم وقد طاف طواف الوداع وهو مندوب وراح إلى بلده أجزأه طواف الوداع عن طواف الإفاضة على المشهور من المذهب (٣).

ومنها: وهو مما زيد على ما ذكره القرافى: أن المعتمر إذا ساق هدى التطوع فى عمرته فلما حل منها ووجب نحره أخره ليوم النحر ثم بدا له وأحرم بالحج وحج من عامه ذلك وصار متمتعا. فإن هدى التطوع يجزئه عن متعته ولو لم ينو عند سوقه أنه يجعله فى متعته على تأويل سند وهو المذهب، كما أجزأه عن قرانه (٤).

وذكر القرافى فرعا آخر فى إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وهذا الفرع ليس من باب المندوب الذى يجزئ عن الواجب، بل من باب ما لا يجوز الإقدام على فعله، ومع ذلك لو فعله أجزأ عن الواجب.

قال القرافى: المريض إذا كان يقدر على الصوم لكن مع مشقة عظيمة لا يخشى معها علي نفسه ولا عضو من أعضائه، فهذا يسقط‍ عنه الخطاب بخصوص رمضان لأجل المشقة، ويبقى مخاطبا بأحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء، فإن كان يخشى على نفسه أو عضو من أعضائه أو منفعة من منافعه - يريد منافع العضو - فهذا يحرم عليه الصوم، ولا نقول انه يجب عليه


(١) البقرة: ١٩٦.
(٢) المحلى ج‍ ٧ ص ١٥٤.
(٣) الفروق لاقرافى ج‍ ٢ ص ١٩، ٢٠ طبعة اولى سنة ١٣٣٤ هـ‍، مطبعة دار إحياء الكتب العربية.
(٤) تهذيب الفروق ج‍ ١ ص ٢٥ المطبوع على هامش الفروق.