نستصحب تلك البراءة حتى يرد التكليف عن طريق الرسول فاذا جاء التكليف وجب الوقوف عند مقتضاه واعتقاده كما ورد.
فاذا أوجب النص خمس صلوات فالسادسة غير واجبة وذلك بمقتضى البراءة الاصلية الاولى وان لم يرد نص بنفيها وكذلك الصوم.
كما أنه اذا أوجب الشارع عبادة فى وقت بقيت ذمة المكلف بعد انقضاء ذلك الوقت على البراءة الاصلية التى تقتضى منع التكليف فى غير ذلك الوقت بتلك العبادة وأن لم ينص الشرع على ذلك.
واذا أوجب الشارع على القادر عبادة بقى العاجز على ما كان عليه، وهكذا (١).
وقد أطال الغزالى فى تفصيل ذلك.
والمقصود بيان أن استصحاب البراءة الاصلية يرجع الى عدم التكليف بالحكم الذى لم يرد به نص شرعى فاذا ورد النص عليه كان التكليف به على الوجه الذى حدده الشرع.
الثانى: استصحاب العموم الى أن يرد دليل يدل على التخصيص، واستصحاب النص الى أن يرد دليل
يدل على نسخه (انظر عموم وخصوص ونص ونسخ).
الثالث: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته ودوامه وذلك كالملك اذا وجد العقد الذى يقتضيه وكوجوب الضمان فى الذمة عند وجود اتلاف.
الرابع: استصحاب الاجماع فى محل الخلاف ومثل له بالمتيمم لفقد الماء اذا رأى الماء فى الصلاة فأتمها على سبيل الاستصحاب لما انعقد عليه الاجماع من صحة صلاة المتيمم ودوامها قبل ذلك حتى يدل الدليل على كون رؤية الماء فى الصلاة مما ينقض الصلاة.
[الاستدلال بالاستصحاب]
ويختلف الاصوليون فى الاستدلال بالاستصحاب.
فمنهم من يقول به مطلقا وهو مروى عن الحنابلة والمالكية وأكثر الشافعية والظاهرية والزيدية، وسواء أكان فى النفى أم فى الاثبات.
ومنهم من يرى أنه ليس بحجة مطلقا وهو مذهب أكثر الحنفية والمتكلمين.
ومنهم من يرى أنه حجة على المجتهد اذا لم يجد غيره فيما بينه وبين الله تعالى
(١) يتجلى ذلك فى مثل التكليف بالحج لمن استطاع اليه سبيلا فغير المستطيع برئ الذمة أى غير مكلف بالحج ما لم يستطع.