للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فثبت الفسخ كما لو أسلم في الرطب فانقطع؛ والمذهب أنه لا يثبت الفسخ؛ لأنه غير واجد لعين ماله فلم يملك الفسخ بالإفلاس كما لو باعه عينًا فأفلس المشترى بالثمن والعين تالفة؛ ويخالف إذا أسلم وانقطع الرطب؛ لأن الفسخ هناك لتعذر المعقود عليه قبل التسليم وهاهنا الفسخ بالإفلاس. والفسخ بالإفلاس إنما يكون لمن وجد عين ماله؛ وهذا غير واجد لعين ماله فلم يملك الفسخ (١).

[مذهب الحنابلة]

جاء في (كشاف القناع): من شروط السلم أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله وقت حلوله غالبًا لوجود تسليمه حينئذ. سواء كان المسلم فيه موجودًا حال العقد أو معدومًا كالمسلم فيه الرطب والعنب زمن الشتاء إلى الصيف. فإن كان المسلم فيه لا يوجد في وقت حلوله أو لا يوجد فيه إلا نادرًا كالسلم في الرطب والعنب إلى غير وقته لم يصح السلم؛ لأنه لم يمكن تسليمه غالبًّا عند وجوبه أشبه بيع الآبق بل أولى، وإن أسلم في ثمرة نخلة بعينها أو أسلم في ثمرة بستان بعينه بدا صلاحه أولًا. أو أسلم في زرعه أي زرع بستان بعينه استحصد (أي طلب الحصاد) بأن اشتد حبه أولًا. أو أسلم في ثمرة أو زرع قرية صغيرة؛ أو أسلم في نتاج فحل فلان أو غنمه ونحوه لم يصح السلم في ذلك؛ لأنه لا يؤمن انقطاعه ولما روى عنه - صلى الله عليه وسلم - "أنه أسلف إليه يهودى في تمر حائط بنى فلان فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أما في حائط بنى فلان فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى" (٢). قال ابن المنذر المنع كالإجماع لاحتمال الجائحة.

وإن أسلم إلى وقت يوجد فيه عامًا فانقطع وتعذر حصوله أو حصول بعضه إما لغيبة المسلم إليه وقت وجوده أو بعجزه عن التسليم حتى عدم المسلم فيه أو لم تحمل تلك السنة وما أشبهه خيِّر المسلم بين صبر إلى أن يوجد المسلم فيه فيأخذه وبين فسخ في الكل أو البعض المتعذر ويرجع برأس مال ما فسخ فيه كُلًا كان أو بعضًا إن كان رأس المال موجودًا أو عوضه إن كان معلومًا لتعذر رده وعوضه مثل مثلى وقيمة متقوم؛ وعلم مما تقدم أنه لو تحقق بقاء المسلم فيه لزم المسلم إليه تحصيله؛ قال في (شرح المنتهى): ولو شق كبقية الديون؛ وإن أسلم ذمى إلى ذمى في خمر ثم أسلم أحدهما رجع المسلم أي صاحب السلم فأخذ رأس ماله الذي دفعه إن كَانَ موجودًا أو عوضه إن عدم؛ لأنه إذا أسلم الأول فقد تعذر عليه استيفاء المقصود عليه. وإن أسلم الآخر فقد تعذر عليه الإيفاء. (٣)

[مذهب الظاهرية]

جاء في (المحلى): أن السلم جائز فيما لا يوجد حين عقد السلم؛ وفيما يوجد؛ وإلى من ليس عنده منه شيء. وإلى من عنده؛ ولا يجوز السلم فيما لا يوجد حين حلول أجله؛ برهان ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالسلم كما ذكرنا وبين في الكيل وفى الوزن وإلى أجل فهو كان كون السلم في الشئ لا يجوز إلا في حال وجوده أو إلى مَنْ


(١) مذهب: ١/ ٣٢٦ - ٣٢٧.
(٢) الحديث بنحوه في سنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب السلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم.
(٣) كشاف القناع:٢/ ١٢٨ - ١٢٩. بتصرف.