للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودليل ذلك أن الجمهور على أن التحليل لو شرط‍ صراحة فى العقد لبطل، لأنه شرط‍ ينافى مقتضى العقد، وقصد الشارع من عقد البيع دفع حاجة البائع إلى الثمن وحاجة المشترى إلى السلعة، فإذا قصد المحتال أن يقرض مائة إلى أجل ليسترد مائتين، وجعل السلعة وسيلة لذلك وليس لأحدهما غرض فيها بوجه من الوجوه فقد خالف قصده قصد الشارع.

الأساس الثانى - الاحتيال وقاعدة

اعتبار المآل

يقرر الشاطبى أن النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، وبين أن مضمون هذه القاعدة أن المجتهد لا يحكم على فعل بالإذن أو المنع إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فإذا كان الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، فإنه يمنع إذا أدى استجلاب تلك المصلحة أو درء تلك المضرة إلى فوات مصلحة أهم أو حدوث مفسدة أكبر، وبالمثل فإن الفعل غير المشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحه تندفع به يشرعه إذا أدى استدفاع المضرة أو جلب المصلحة إلى مفسدة تساوى أو تزيد.

وهذه القاعدة تنطبق على الاحتيال، ذلك أن الفعل المتحيل به فعل مشروع لمصلحة فى الظاهر، لم يقصد به المتحيل تحصيل هذه المصلحة، وإنما قصد به مفسدة محرمة، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار مال الهبة المنع من آداء الزكاة وهو مفسدة (١).

الاحتيال وإسقاط‍ حكم السبب

بفعل شرط‍ أو تركه

إذا كان إعمال السبب يتوقف على فعل شرط‍ أو تركه، فإن قام المكلف بفعل ما يحقق هذا الشرط‍ أو يفوته، تحصيلا لمصلحة شرعية، فإن فعل الشرط‍ يترتب عليه أثره. وأما إذا فعل المكلف هذا الشرط‍ أو تركه من حيث كونه شرطا دون قصد إلى تحصيل مصلحه شرعية، وإنما فعله قصدا لإسقاط‍ حكم السبب لكى لا يترتب عليه أثره، فهذا عمل غير صحيح، وسعى باطل.

ومثل الشاطبى لذلك بأنه إذا توافر النصاب كان سببا لوجوب الزكاة. ولكن يتوقف الوجوب على بقاء النصاب، حتى يحول الحول، فإذا ما أنفق المكلف النصاب قبيل الحول للحاجة إلى إنفاقه، أو أبقاه للحاجة إلى إبقائه، فإن الأحكام التى تترتب على الأسباب تنبنى على وجود الشرط‍ أو فقده، أما إذا أنفقه من حيث أنه شرط‍ لوجوب الزكاة قاصدا عدم ترتب آثار السبب عليه، فإن هذا العمل غير صحيح، ولقد أقام الشاطبى الأدلة التى تفيد القطع فى جملتها بأن فعل ما يحقق الشرط‍ أو


(١) راجع الموافقات ج‍ ٤ ص ٢٠١.