للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاشهاد فى اللقطة واللقيط‍]

[مذهب الحنفية]

جاء فى بدائع (١) الصنائع: للقطة بعد أخذها حالان.

فى حال هى أمانة.

وفى حال هى مضمونة.

أما حالة انها أمانة فهى أن يأخذها لصاحبها، لأنه أخذها على سبيل الأمانة، فكانت يده عليها يد أمانة، كيد المودع على الوديعة.

وأما حالة الضمان فهى أن يأخذها لنفسه، لأن المأخوذ لنفسه مغصوب.

وهذا لا خلاف فيه.

وانما الخلاف فى شئ آخر وهو ان جهة الأمانة انما تعرف من جهة الضمان، أما بالتصديق، أو بالاشهاد عند أبى حنيفة.

وعندهما بالتصديق أو باليمين، حتى لو هلكت فجاء صاحبها وصدقه فى الأخذ له لا يجب عليه الضمان بالاجماع، وان لم يشهد، لأن جهة الأمانة قد ثبتت بتصديقه.

وان كذبه فى ذلك فكذلك عند أبى يوسف ومحمد أشهد أو لم يشهد، ويكون القول قول الملتقط‍ مع يمينه.

وأما عند أبى حنيفة فان أشهد فلا ضمان عليه، لأنه بالاشهاد ظهر ان الأخذ كان لصاحبه فظهر أن يده يد أمانة. وان لم يشهد يجب عليه الضمان .. ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى وجهان:

أحدهما: أن أخذ مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان فى الأصل، الا أنه اذا كان الأخذ على سبيل الأمانة بأن أخذه لصاحبه فيخرج من أن يكون سببا، وذلك انما يعرف بالاشهاد، فاذا لم يشهد لم يعرف كون الأخذ لصاحبه، فبقى الأخذ سببا فى حق وجوب الضمان على الأصل.

والوجه الثانى: ان عمل كل انسان له لا لغيره لقوله تعالى «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} (٢)» فكان أخذ اللقطة فى الأصل لنفسه لا لصاحبها.

وأخذ مال الغير بغير اذنه لنفسه سبب لوجوب الضمان لأنه غصب. وانما يعرف الأخذ لصاحبها بالاشهاد فاذا لم يوجد فتعين أن الأخذ لنفسه فيجب عليه الضمان.

ووجه قول أبى يوسف ومحمد: ان الظاهر أنه أخذه لا لنفسه، لأن الشرع انما مكنه من الأخذ بهذه


(١) بدائع الصنائع للكاسانى ج ٦ ص ٢٥١ الطبعة السابقة.
(٢) الآية رقم ٣٩ من سورة النجم.