للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان يلزمه غرمها إذا شرط الرد أو شرطه المستعير ولا يضمن الأمانة ولو شرط عليه ضمانها إلا بتعد أو تضييع وقيل: يضمنها. وكذا الخلاف في كل ما لا يلزم ضمانه في الشرع إذا شرط الضمان وبالعكس، ومقابل المختار عدم ضمان العارية إن لم يتعد ولم يضيع ولو كان الضمان مشروطًا بينهما أو شرط الرد بينهما وهذا بناء على أن أصلها غير الضمان وما أصله غير الضمان لا يوجب اشتراط الضمان فيه ضمانه، كما أن أصل ما كان مضمونا لا يبطل ضمانه بالشرط، والأكثر أنه إذا اشترط الضمان ضمن ويقابل المختار أيضا قول آخر: أنه يلزم ضمان العارية ولو لم يشترط ضمانها ولم يتعد ولم يضع، واستدل على هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - "كل يد ترد ما أخذت".

[الأمين في اللقطة]

مذهب الحنفية: (١)

جاء في الهداية وشروحها أن اللقطة أمانة إذا أشهد الملتقط أنه يأخذها ليحفظها ويردها على صاحبها لأن الأخذ على هذا الوجه مأذون فيه شرعا بل هو الأفضل عند عامة العلماء وهو الواجب إذا خاف الضياع على ما قالوا، وفى بدائع (٢) الصنائع أن للقطة بعد الأخذ حالين. في حال هي أمانة وفى حال هي مضمونة. أما حالة الأمانة فهى أن يأخذها لصاحبها لأنه أخذها على سبيل الأمانة فكانت يده يد أمانة كيد المودع وأما حالة الضمان فهى أن يأخذها لنفسه لأن المأخوذ لنفسه مغصوب وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف في شئ آخر وهو أن جهة الأمانة إنما تعرف من جهة الضمان إما بالتصديق أو بالإشهاد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما بالتصديق أو باليمين حتى لو هلكت فجاء صاحبها وصدقه في الأخذ له لا يجب عليه الضمان بالإجماع وإن لم يشهد لأن جهة الأمانة قد ثبتت بتصديقه، وإن كذبه في ذلك فكذلك عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أشهد أو لم يشهد ويكون القول قول الملتقط مع يمينه وأما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن أشهد فلا ضمان عليه لأنه بالإشهاد ظهر أن الأخذ كان لصاحبه فظهر أن يده يد أمانة وإن لم يشهد يجب عليه الضمان. ولو أقر الملتقط أنه أخذها لنفسه يجب عليه الضمان لأنه أقر بالغصب والمغصوب مضمون على الغاصب ووجه قول أبي يوسف ومحمد أن الظاهر أنه أخذه لا لنفسه لأن الشرع إنما مكنه من الأخذ بهذه الجهة فكان إقدامه على الأخذ دليلا على أنه أخذ بالوجه المشروع فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله ولكن مع الحلف لأن القول قول الأمين مع اليمين ولأبى رحمه الله تعالى وجهان أحدهما أن أخذ مال الغير بغير إذنه سبب وجود الضمان في الأصل إلا أنه إذا كان الأخذ على سبيل الأمانة بأن أخذه لصاحبه فيخرج من أن يكون سببا وذلك إنما يعرف بالإشهاد فإذا لم يشهد لم


(١) الهداية للإمام برهان الدين على ابن أبي بكر المرغينانى مع شرح فتح القدير للكمال بن الهمام جـ ٤ ص ٤٢٣ وما بعدها في كتاب على هامشه شرح العناية على الهداية للإمام كمال بن محمد بن محمد البابرتى وحاشيته المولى المحقق سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى حلبى الطبعة الأولى طبع الطبعة الأميرية بمصر سنة ١٣١٦ هـ.
(٢) بدائع الضائع في ترتيب الشرائع للإمام علاء الدين أبي بكر سعود الغساسانى جـ ٦ ص ٢٠١ طبع مطبعة الجمالية بمصر طبعة أولى سنة ١٣٢٨ هـ - ١٩١٠ م.